الوطن

العالم كله يرقب هذه الأيام بقلق بالغ آلة القتل الروسية التي تحرق الغوطة الشرقية إلى جانب قوات بشار الأسد، وترتكب مذابح ترتقي إلى جرائم حرب، تحصد خلالها أرواح الأطفال والنساء والأبرياء من الشيوخ والعجزة، دون تمييز بين الإرهابيين الذين ادّعت روسيا بوتين أنها جاءت لمحاربتهم، وبين المدنيين الذين تسقط فوقهم عشرات القنابل والصواريخ الارتجاجية التي تخترق قاعات الأبنية وغيرها، مما تنتجه مصانع السلاح الروسي، لإحداث أكبر قدر من التدمير للمباني السكنية وقتل المدنيين، وهذا باعتراف المنظمات الدولية، منها: الصليب الأحمر، ومنظمة العفو الدولية التي ذكرت أن الطيران الروسي يقود أبشع عملية حرب إبادة في الغوطة الشرقية، هي الأضخم منذ 5 سنوات، إذ إنه يستهدف بلا تمييز المدنيين والمستشفيات والمدارس والمساجد، وحتى رجال الإسعاف الذين لم يسلموا من القتل، وما يزال كثير من الضحايا تحت الأنقاض، وباتت القبور الجماعية هي الحل لدفن القتلى الذين يصعب إخراجهم من تحت ركام المباني المهدمة، وكل ذلك يحدث وسط صمت يشبه التواطؤ من الدول العظمى التي اكتفت بالإعراب عن قلقها، في حين تنقل وسائل إعلامها تلك الجرائم الروسية وجرائم النظام السوري، رغم محاولات بوتين ووزير خارجيته لافروف وزعمهما إنكار ما تقوم به قوات روسيا، وأنها غير مسؤولة عن مقتل المئات من السوريين، بينما الغوطة الشرقية كما في ريف دمشق وإدلب وريفها وبقية المدن السورية، تشهد كل دقيقة سقوط صواريخ النظام المدعومة بالطيران الروسي وصواريخه من البر والبحر والجو، بل لقد ورد على لسان وزير خارجية روسيا لافروف تصريح مفاده أن أنموذج «حلب» الدموي سيطبق على الغوطة الشرقية، وهذا يعني أن الروس ماضون في عملية تفريغ ديموجرافي منظم لتغيير خارطة السكان لمصلحة النظام السوري الذي لم يترك شيئا إلا وقام به ضد شعبه، وهذا التصريح يناقض نفي بوتين لما تمارسه قواته من قتل للشعب السوري، وتدمير المدن السورية لإنقاذ عرش بشار الأسد!.
لقد صار معروفا لكل متابع ما يحدث فوق الأراضي السورية على أيدي الروس الذين لم يأتوا كي يرسموا حياة وردية للسوريين، ولم يأتوا -وقد جلبوا كل أنواع أسلحتهم الحديثة التي أنتجتها مصانع السلاح الروسي من قاذفات السوخوي بأنواعها إلى الصواريخ والقنابل- لمحاربة «داعش» والميليشيات الإرهابية كما يزعم بوتين وأركان جيشه، وهي الحجة التي يبررون بها وجودهم في سورية، فقد كانوا يستهدفون المعارضة السورية، بينما «داعش» الإرهابية والميليشيات الإرهابية الأخرى، كانت خارج دائرة استهدافهم إلى حد كبير. فالروس -وهذا ليس سرا- أتوا لحماية نظام بشار وإعانته على التعافي والعودة من جديد لقتل شعبه، بعد أن شارف على التهاوي والسقوط، ولولاها لكان نظام بشار في خبر كان، ولذلك لم يعد سرا أن بوتين أتى سورية ليحفظ لروسيا مصالحها، ويوطّد وجودها في سورية بعد ضياع ليبيا التي كانت تشكل لروسيا قاعدة متقدمة أيام القذافي في مواجهة الغرب وأميركا، إضافة إلى أن الحرب أنعشت مصانع السلاح الروسية، وتحولت سورية إلى ميدان صراع للقوى العظمى أميركا وروسيا، وساحة تجرّب فيها أحدث أسلحتها فوق رؤوس المدنيين الأبرياء، إضافة إلى هدف بوتين محو المعارضة السورية لحماية نظام بشار، وإعادة تأهيله من جديد، وإظهار قوة روسيا أمام العالم، وإثبات أنها ما تزال قوة ضاربة في العالم.
ومع الأسف، إن روسيا تمارس كل ذلك الجنون تجاه الأبرياء المدنيين الشيوخ والشباب والأطفال والنساء، وفوق المدن والمساجد والمدارس والمستشفيات، وهي سياسة معروفة سلفا عن الجيش الروسي، فهم يعيدون اليوم سيناريو «جروزني»، سياسة حرق الأرض التي طبقوها في «حلب» من قبل، لإجراء تغييرات ديموجرافية لمصلحة النظام الأسدي. ولتحقيق ذلك، فلا يهم كم يموت من السوريين، فغاية بوتين تبرر لقواته استخدام أي وسيلة، وما يحدث في «الغوطة الشرقية» يعكس موت الضمير الإنساني المتفرج على مجازر الروس ونظام بشار الذي يجعله فاقدا لشرعيته أمام العالم، والتي يتحدث عنها بوتين ولافروف وزير خارجيته، فسبع سنوات عجاف أو تزيد، والنظام يقتل شعبه دون رحمة ويدمر مدنه، ومع هذا فقد ظل المجتمع الدولي يتفرج ويكتفي بمبادرات ودعوات، سرعان ما تنتهي بالفشل أمام تعنت الروس في الأمم المتحدة، وتكفلها بمنع محاسبة النظام أو معاقبته، مستخدمة الفيتو لإفشال كل محاولة دولية لمحاسبة بشار على استخدامه الأسلحة المحرمة دوليا، منها غاز الأعصاب والأسلحة الكيماوية.
هذا موقف روسيا في أروقة الأمم المتحدة، بينما على الأرض تظل طاحونة الموت الروسية والنظام تعمل دون توقف فتكا في الشعب السوري، ورغم مئات الآلاف من الضحايا فلم يرتو حتى هذه اللحظة النظام الأسدي الدموي من دماء الأبرياء الذين قتلوا من الأطفال والنساء والشباب، ولم يهتم بمئات الآلاف من الذين فروا إلى كل بلاد الدنيا وارتموا في الملاجئ هربا من الجحيم في بلادهم، في ظل «الصمت العار» المطبق على النظام العالمي الذي تسيطر عليه الدول العظمى المسيطرة على المنظمات العالمية التي لا تفرق بين الجلاد والضحية. ولكم الله وحده يا أهل سورية.