قبل البدء بهذه الجولة في الحساب التويتري الخاص بـ«حمد بن جاسم» لا بد أن ندرك أن مجرد دخول شخصية بهذا الوزن في مواقع التواصل، دليل على أن القيادة القطرية خسرت معركتها تماما في هذا العالم الافتراضي، وسبب الخسارة يتضح إذا علمنا بأن المسؤولين في قطر ينظرون لهذا الشخص أنه الحكيم، الرصين، ذو الرأي السديد والداهية المحنك، أو كما يُلقب في قطر بـ«بلدوزر» السياسة القطرية، فما الذي يجبر القيادة القطرية أن تستخدم هذا البلدوزر أو هذه الأداة الثقيلة إن لم تكن كل أدواتها الأخرى قد تكسرت تماما، إن لم يكن كل جيشها الإعلامي والسياسي قد بات جيشا عاريا بلا قيمة؟ من هنا يمكن القول إن «حمد بن جاسم» بمثابة طوق النجاة المثقوب.
الآن، ما الذي يحتويه حساب هذا الرجل؟!، في البدء «حمد بن جاسم» يقدم نفسه في تويتر أنه داعية محبة وسلام وإخاء، وأنه الإنسان الذي عاش لخدمة الإسلام وقضايا المسلمين، وهذا الزعم منه في الحقيقة يعتبر دليلاً على وجود عِلة نفسية قد تمكنت منه، عِلة يمكن توضيحها بالقول إن الإنسان الذي يداوم على ارتكاب أنواع مختلفة من الجرائم ثم يبدأ وبشكل مفاجئ في الاعتقاد بل والاقتناع التام بأنه من أهل الخير والصلاح، فهذا الاعتقاد خلفه عِلل نفسها معقدة، أبسطها هو كي يستطيع المجرم أن ينام في الأخير وهو مرتاح البال، و«حمد بن جاسم» ظل طيلة العشرين عاما الماضية يمارس أنواعا مختلفة من الجرائم، سواء بشكل منفرد أو بمعاونة باقي أعضاء التنظيم، جرائم كالخداع والخيانة وحياكة المؤامرات، بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي والسلاح للجماعات المتطرفة، وغير هذه الجرائم الشيء الكثير، لهذا نقول بأن ظهوره كداعية محبة وسلام سببه عِلة نفسية تمنعه من النوم، فيدعي المثالية حينها كي يستطيع أن ينام مرتاح البال.
أما ثاني أبرز علل الرجل النفسية، أننا نجده يغرد تارة بشخصية «الأم تريزا» فيتحدث عن السلام والتسامح والإخاء، حتى ليظن المتابع أنه سيختتم حديثه بالقول: إنما بعثت فيكم لأتمم مكارم الأخلاق، ثم وبعد هذا الحديث الإنساني الجميل نجده يتحول فجأة لشخصية «غانم الدوسري» فيشتم ويطعن ويشكك ويوزع الاتهامات على قادة الخليج، ويتحدث عن جيوش افتراضية وذباب إلكتروني مدعوم من حكومات خليجية أهملت شعوبها ودمرت أوطانها وتفرغت فقط لمحاربة قطر، هنا تجدر الإشارة بأن هذه القدرة العجيبة على التنقل بين شخصيات عديدة تسمى في علم النفس بـ«اضطراب تعدد الشخصيات»، وهذا الاضطراب هو مرض يصيب الإنسان فيحول جسده لسكن تعيش فيه عِدة شخصيات، حيث كل شخصية تعيش في عالمها الخاص ولا تعلم شيئا عن باقي الشخصيات، وكدلالة على أن الرجل مصاب بهذا الاضطراب فعلا، نجده يتحول في بعض التغريدات لشخصية «علي الطنطاوي»، ويبدأ في توجيه النصائح المطعمة بالآيات والأحاديث عن وجوب تلاحم أهل الخليج.
هذه لمحات عن العِلل النفسية التي يمر بها هذا البلدوزر، أما عن العِلل العقلية فنجدها تتجلى في رأيه الذي أدلى به عن العلاقات الإسرائيلية العربية، فالرجل يرى أن جسور التواصل ما بين قطر وإسرائيل مسألة لا إشكال فيها أبداً كونها عملية تتم بالكامل في العلن، أي أن المسألة ليست رذيلة إلا إن كانت في السر والخفاء كما تفعل -على حد زعمه- دول الخليج، والعِلة العقلية هنا أن هذا الرأي لا يحتوي على مغالطة منطقية، إنما يهتك المنطق هتكاً، كون المنطق في هذا الرأي لا يختلف كثيراً عن منطق فتاة هوى تبيع جسدها على الرصيف وأمام الجميع، فإن نصحها الناس بتقوى الله، فورا تقول: أنا وإن كنت أرتكب حراما صريحا إلا أنه لا عيب أبداً فيما أفعل وأمارس، وعذرها الذي حولت به الرذيلة لفضيلة هو أنها تبيع جسدها في العلن وعلى الرصيف!.
أما أبرز النقاط التي تحدث عنها «حمد بن جاسم» مغردا، حين تحدث عن القضية الفلسطينية، والحقيقة أن هذا النوع من الأحاديث بات شيئا مملا لأبعد الحدود، فالرجل لا يزال يقتات على الشعارات والمزايدات التي ما عاد لها وزن، كيف أن القدس عروس عروبتكم، وأنه لا يجوز أبدا التفريط في هذه الأرض المباركة، وأن التاريخ لن يرحم كل من «خان الكضية»!، الناس يا معالي البلدوزر ما عادت تقيم لهذه البكائيات وزنا، إنما يتم وزن الأمور اليوم بما هو موجود على أرض الواقع، وعلى أرض الواقع نجد أن قطر هي التي وقفت عائقا أمام كل محاولات توحيد القيادات الفلسطينية، وهي التي طعنت مبادرة السلام العربية، والكثير الكثير من الأوساخ التي خلفتها قطر على أرض الواقع، ثم تأتي يا معالي البلدوزر لتذرف الدموع، ظنا أن الدموع فعلا قادرة على غسل آثام بهذا الوزن.
في الختام، لا يسعنا إلا ترديد عبارة -الحمد لله- على اقتناع «حمد بن جاسم» أخيرا أن يقوم بإنشاء حسابه الخاص في تويتر، كي يتعرف العالم وبشكل مباشر على طبيعة العِلل العقلية والنفسية التي ظلت القيادات الخليجية تتعامل معها لأكثر من عشرين عاما.