إذا أردنا الحافظ على التميز الطبي بالمملكة فعلينا سن القوانين لحماية الممارس الصحي كما نحاول الحفاظ على سلامة المرضى، فهُما وجهان لعملة واحدة
رغم أننا كمسلمين يحث ديننا الكريم على الصبر والاحتساب عند المصيبة، إلا أن واقع ما نراه في أغلب المواقف عند التعامل مع ذوي المرضى عند إبلاغه بوفاة قريب مهما كان سنه أو أمراضه المزمنة، النواح والعويل والضجيج والتهكم والتهجم على الممارسين الصحيين. رغم أننا الأحق بالصبر عند المصائب حسب ما أوصانا ديننا الحنيف، وللأسف حتى من يتظاهرون بإيمانهم وثباتهم بمجرد مراقبتهم عند ذكر الموت ترى الرعب في عيونهم، وتلاحظ تلعثم ألسنتهم واحمرار أوداجهم خوفا وهلعا، وتعلقهم بالحياة الدنيا.
ويرى الممارسون الصحيون (أطباء- تمريض- أخصائيون- صيادلة) بالأقسام الحرجة آلاف المآسي والقصص المحزنة التي تجعل من حياة البعض كابوسا لا يُطاق، حيث يبدأ اليوم بسيمفونية حزينة، وقد ينتهي بفاجعة ودموع منهمرة وصدمة قاسية للأحباء في فقدهم غاليهم، ويعتقد الناس أن الطبيب متبلِّد الإحساس ويعيش بدون مشاعر، ولكن الحقيقة التي أراها يوميا أن كثيراً منهم يخفي بعمد مشاعر فياضة تجاه مرضاهم ويتلقون الصدمات في خسارة بعض المرضى، وبخاصة كلما طال بقاء المريض بالمستشفى يرتبط به الطبيب لا شعوريا ومع عائلته المكلومة، مما يؤثر على الصحة النفسية للممارس الصحي، حيث تشير الأبحاث المنشورة بموقع Emedicine الشهير بتاريخ 12/ 6/ 2017 إلى وجود أعراض الاكتئاب عند 12% من الأطباء الرجال وتصل إلى 19% بين النساء، وترتفع إلى 30% لدى طلاب كلية الطب والدارسين لبرامج الزمالة.. ويوجد مقالان شهيران نشرا بين عام 1999 - 2004 لمجلتين تعنيان بالأبحاث النفسية، تشير إلى أن نسبة الانتحار الناجحة بين الأطباء تكون ضعفي باقي أفراد المجتمع.. في أحد الأبحاث المنشورة في 12/ 7/ 2012 بالمجلة الشهيرة annals of intensive care أشارت إحدى الدراسات البحثية إلى وجود نسبة 25% من أطباء العناية الحرجة بفرنسا يعانون من أعراض الاكتئاب.
محليا وللحد من الضغوط النفسية وتأثيرها على التخصصات ذات الطبيعة الحرجة (عناية مركزة - طوارئ - جراحات نادرة) ووقف ظاهرة التقاعد المبكر والتسرب الوظيفي والاستثماري لمجالات غير طبية علينا القيام بالآتي:
-1 رفع الحوافز المادية لهؤلاء الذين يتعاملون مع الموت يوميا ويقضون جلّ أوقاتهم تحت ضغوط نفسية عالية.
-2 حماية العاملين الصحيين بالقوانين الصارمة من (تنمر) بعض المرافقين وأهالي المرضى، فالطبيب والممرض والأخصائيون لم يوجدوا إلا لخدمة المرضى، وتأثرك النفسي لا يعطيك الحق في إهانتهم والتهجم عليهم.
-3 رفع زيادة الوعي بالفرق بين الأخطاء والمضاعفات الطبية، بمجتمعنا أسهل ردود الأفعال هي توزيع الاتهامات بالأخطاء الطبية.
-4 وقف التجريح والتلميح والتحريض المتخذ من هواة عاجل وحصري ومتصدري الأخبار، فظاهرة الاعتداء على الممارسين الصحيين، وبخاصة بالأقسام الحرجة (العناية المركزة – الطوارئ -العمليات)، هي نتاج لهذا المنهج المعوج.
-5 الإسراع بالمحاكم الطبية، فالأطباء بحكم تخصصهم الحرج هم الأكثر عرضة للاستدعاء والتحقيق والمنع من السفر، ولكي تحقق العدالة المنشودة لجميع الأطراف من مريض وممارس صحي.
إذا أردنا أن نحافظ على التميز الطبي بالمملكة فعلينا سن القوانين لحماية الممارس الصحي كما نحاول الحفاظ على سلامة المرضى، فهُما وجهان لعملة واحدة، وما ينطبق على الممارسين الصحيين بالتخصصات الحرجة من ضغوطات ينطبق على جميع الممارسين الصحيين بدرجات متفاوتة، وليس من المعقول أن يطلب منك البعض أن تكون (ملاكاً) حين يلعبون دور (غير إنساني)، شخصيا لا أريد أن أرى جراحا ماهرا للقلب أصبح يقضي وقته بصالات الأسهم كما حدث بين عامي 2002 - 2006 أو متخصصاً بالأورام أدمن المزادات العقارية أو حراج السيارات المستخدمة، وهذه قصص حقيقية وشائعة وليست للتندر أو السخرية كنتيجة طبيعية للأسباب السابقة التي ذكرناها، وإن عجزنا عن حماية الممارس الصحي فشخصيا أفضل تعلم عزف (السمسمية)، فلعَلّي أصبح من مشاهير السناب والإنستجرام وجماعة (الرقص على وحدة ونص)، عندها سوف يصفق لي نفس الجمهور الذي قد يركلني كطبيب.