يقول الدكتور عبدالكريم بكار (علينا أن نحذر كل الحذر من المفاهيم والأفكار والتصورات الخاطئة واليائسة والمحبطة والمشوهة، فهي قادرة على توجيه العقل إلى المسار الخاطئ، بل إن الانجراف وراء تكون الأفكار قد يكون سببا في سلب الهدوء والطمأنينة وجعل الحياة أكثر سوداوية)، ولكي يفسر الدكتور بكار المعنى الحقيقي لتلك المفاهيم والأفكار الخاطئة، وكيف يصبح الإنسان أسيرا لها، يستشهد بقصة رجل ركب قطارا ومعه طفلان وكانت حركة الطفلين بالقطار مزعجة لكل الركاب، فاستنكر الركاب ذلك وطلبوا من الأب أن يتحمل مسؤوليته ويضبط ولديه. فأجابهم أن والدة الطفلين توفت قبل فترة قصيرة، وأنه لا يستطيع في هذا الظرف العصيب أن يضغط عليهما. وهنا حدث تغير مفاجئ في موقف الركاب فقد تحول موقفهم من الغاضب من تصرفات الطفلين إلى شعور بالعطف والحنان والاهتمام بهما. وتناسوا ما أحدثوه من جلبة وفوضى، وهكذا فإن مواقف الغضب والرحمة والعطف والكراهية قد تكون هي من تشكل الأفكار والآراء التي نطلقها في تلك المواقف.
إن ربط الأفكار والأحكام بالمشاعر والانطباعات الشخصية قد يؤدي إلى عدم العدالة في إصدار تلك الأحكام وظلم الآخرين. ولهذا يجب إطلاق الأحكام بعد إخضاعها لمنطق العقل الذي يجب تغذيته بكم هائل من المعلومات والخبرات.
إن إطلاق الأحكام على المجتمع والأفراد والتصرفات والمواقف يجب أن يعتمد على فهم الواقع ومحاولة إصلاحه دون اتباع للأهواء والرغبات. ومما لا شك فيه أن اتباع الماضي وما كان عليه الآخرون قد يكون شيئا طبيعيا، ولكن يجب ألا يكون سببا في عدم التبصر عن المستقبل والبحث عن حلول لتحديات الحاضر.
وعليه فإن الخضوع للأفكار الموروثة والانقياد ورائها ورفض أي فكر جديد قد يتسبب في عدم القدرة على تشخيص مشاكل المجتمع وتحليل وضعه الراهن، وقد يؤدي إلى التفكير بطريقة غير سليمة لصناعة مستقبل الأجيال.
ويذهب الدكتور عبدالكريم بكار إلى أن هذه الفئة من الناس التي تتقوقع على نفسها وترفض كل فكرة مخالفة لمعتقداتها قد يكون بسبب ضعف الثقة بالنفس التي تؤدي إلى الخشية من القيام بأي مبادرة أو مخاطرة أو مواجهة، وتجعل ذلك الشخص يفضل أن يبقى منطويا على أفكاره ويبتعد عن فهم أو تجربة أي شيء جديد.
ومهما كنا نعتقد أننا الأفضل وأنه لا مثيل لنا، إلا أن هذا لا يعني إلا نكتسب المزيد من الأفكار والعلوم، بل علينا أن نتقبل المزيد من الأفكار ونناقشها ونتقبل اختلاف وجهات النظر. وكذلك فإنه لمناقشة أي فكرة جديدة فلا بد من القراءة عنها وفهم أبعادها والخوض في تفاصيلها بدلا من رفضها ووضع الحواجز أمامها.
إن الأفكار التقليدية والمعلومات الخاطئة لا تنتشر إلا عندما تغيب المصداقية والبحث عن الحقيقة. وعليه فلا بد من الاستفادة من الذين أثبتوا كفاءتهم في موضوع المنهجية والموضوعية عند مناقشة الأفكار والمعلومات الجديدة.