أرى أن الطموح الزائد لم يقتل شخصا قط، وإن قتله فسيخلد ذكره، وأما الأحلام فما يميزها أنها لم تكن يوما واقعية، فإن لم يكن حلمك أكبر من أن يستوعبه من حولك فلن تتميز عقب تحقيقه
خلقنا الله -جل في علاه- لعبادته، فتتعدد صور العبادة، فمنها العبادات الجسدية كالصلاة والصوم والحج، وفي المقابل توجد عبادات نفسية داخلية وكامنة، كالتفكر وعقد النية قبل الشروع في أي عمل كطلب العلم النافع، ومن رحمة الخالق وروعة الدين نجد أن أبواب العبادة تتسع لتشمل كل شيء، وتسمو لتصل إلى مستوى الروح. (لماذا نعيش على هذه الأرض؟) سؤال سهل ممتنع حير الكثير وأتعب النفوس السامية قبيل العثور على إجابته، فجرت العادة على أننا نقوم بسؤال الطفل منذ نعومة أظافره ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟
ومن هنا يظن الشخص أنه وجد شغفه ومهمته في الحياة، بداية لم يخلقنا الله عبثا، فلكل إنسان منا ميزة ووسم يتركه في هذه الدنيا عندما يرحل، فالجميع يحاول بكل ما أوتي من قوة أن يترك الوسم الإيجابي عِوَضا عن السلبي. الإشكالية لا تكمن في إيجاد العمل الذي سيتركه الشخص، بل في الخطة الزمنية والخطوات المتبعة لإتمامه، فما الدوافع التي جعلت ليوناردو دافنشي يستمر في رسم لوحاته التي لم تلق رواجا في عصره؟ إنه الشغف. فالشغف حب ممزوج بالهوس والإصرار على الحصول على شيء، أو في بعض الأحيان شخص ما كقصة سيدنا يوسف (وقال نسوة في الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، من الآية السابقة يتضح أن الشغف غالبا ما يكون مرتبطا بالتعليقات السلبية، وحب امرأة متزوجة لرجل آخر أمر سيئ ويعد ضلالا مبينا، ولكن هل كل شغف سيئ فعلاً؟
الشغف هو الذي يدفع الإنسان لتحقيق أحلامه وطموحاته، فوصول الحالم والمتأمل والعامل إلى مرحلة الهوس أمر لازم لنيل المنى، إلا أن أغلب من حولنا سيقومون بإسداء نصائح مغلوطة للمريد «كطموحك الزائد سيقتلك» أو «اجعل أحلامك واقعية». أرى أن الطموح الزائد لم يقتل شخصا قط، وإن قتله فسيخلد ذكره، وأما الأحلام فما يميزها أنها لم تكن يوما واقعية، فإن لم يكن حلمك أكبر من أن يستوعبه من حولك فلن تتميز عقب تحقيقه.
قد يكون الوصول للمهمة السامية وسبب وجودك في الحياة صعبا، ولكن هنالك خطوات بسيطة عبارة عن أسئلة مباشرة قد تساعدك في تحديد شغفك. سأقوم بالإجابة عن الأسئلة بدوري وهي:
-1 من أنت؟ أنا سهوب
-2 ما الشيء الذي تحب أن تفعله وتتميز به؟ العمل التطوعي -3 من المستفيد مما تقوم به؟ الناس والحيوانات.
-4 كيف يستفيد هؤلاء الأشخاص مما تقوم به؟ رسم الابتسامة على وجوههم ومساعدتهم.
-5 ما التأثير الذي يتركه عملك على حياتهم؟ السعادة.
الآن تستطيع معرفة شغفك الحقيقي، هو ليس مجرد وظيفة مملة للحصول على راتب آخر الشهر، بل أسلوب حياة ممتع مليء بالمفاجآت والمكافآت. وكن متيقظا أن الشغف الحقيقي الذي سيقودك للعظمة يتمحور حول كل شيء سواك، فعند العودة إلى الأسئلة أعلاه تجد أن أول سؤالين يخصانك إلا أن الأسئلة الثلاثة المتبقية جميعها متعلقة بالغير، فما تزرعه اليوم تحصده غدا، فنحن نسمو فقط عندما نؤثر الآخرين على أنفسنا وندعمهم.
في هذا الصدد تحضرني أمثلة جميلة وراقية عن تحقيق المراد السامي كالشاب نايف الفيفي، هو طالب في المرحلة الثانوية فقد بصره، ولكن لم يفقد البصيرة، فلم يوقفه ذلك الحدث عن التميز، فهو الآن سفير جستر للمنطقة الجنوبية، وهي جمعية تعنى بشؤون ذوي الإعاقة، كما يمارس العمل كصحفي وكاتب منذ سنوات عديدة. مثال آخر يدعوني للتفكر والتأمل في حالي والخجل كلما يئست من تحقيق مرادي متمثل في الشاب الكفيف خالد الخبراني، هو قائد لمبادرة تعنى بتجهيز المرافق الترفيهية لذوي الإعاقة بمنطقته، وعضو لجنة شباب منطقة الرياض، وإعلامي متمكن، فلقد عمل في قناة تلفزيونية كمقدم برامج. مثال أخير مثله سفير الإرادة بطل البارالمبياد فهد الشهري، فإعاقته الجسدية لم تمنعه من الحصول على المراكز الرفيعة والبطولات، رحل فهد كرحيل الأبطال تاركا خلفه عددا لا يحصى من الميداليات الذهبية، وحبا مزدهرا في نفوس من عرفهم. فهل حققتم أحلامكم؟