كانت هذه إجابة ساخرة من صديقة تركية على سؤالي لماذا غير إردوغان نظام التعليم التركي، وألغى الاختبارات الوطنية، وأجبر طلاب الكليات العلمية على الدراسة في المدارس الدينية قبل أن يصبحوا علماء رياضيات وأطباء ومهندسين.
قبل مناقشة إجابتها أود في البدء أن أشير إلى حقيقة، وهي أن المدارس الدينية في نظر إردوغان مدارس صوفية المعتقد نقبشندية الطريقة، والتي يقتنع فيها الإنسان بإمكانية أن يحج وهو ماد سيقانه في باحة بيته في إسطنبول.
عودة إلى العنوان أجد أنها التقاطة ذكية جداً من صديقتي تصف بدقة ما يعد من أدبيات الإسلام السياسي وقياداته، والتي يمثلها اليوم رجب طيب إردوغان، وهو اعتقادهم أن التعليم والاقتصاد والسياسة والحرب كلها تستطيع أن تديرها مادمت تملك خلفية دينية وثقافة عالية في كتب التراث الإسلامي، وقادرا أن يمتلئ خطابك للناس بكل الأمور العاطفية التي تستفز مشاعرهم ودموعهم أيضاً.
لكن الواقع يخالف ذلك تماماً، فرغم أهمية الدين، خاصة في مسائل القيم والمبادئ، لكنه لا يملك الكثير من الإجابات حول كيف تصنع حضارة مادية، ولذا أنت تحتاج إلى العلوم والرياضيات التي تمكنك من صناعة عقول تهتم بالمنطق والمعطيات والواقعية، هذه العقول تحميك من استيراد طَعَامِك وسيارتك وملابسك وبلغة أخرى حضارتك واستقلالك، لذا قائد لا يملك إلا ثقافته الدينية مكانه المسجد، وليس رأس دولة مثل تركيا تتحول كل يوم لمعاداة الدول وتضيق على الناس، وأخيراً تجبر الآباء على المدارس الدينية الحكومية لأنهم لا يملكون مالا مثل زوج ابنته، ويدخلون أبناءهم مدارس عالمية، فيتخرج حفيد إردوغان عالم رياضيات وابن الفقير شيخ طريقة.
إن أهم قائد عرفته البشرية أدرك ذلك منذ ألف وأربعمئة سنة، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنِ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَ).
إن ما سبق حقيقة لم يعها الإسلام السياسي، ولا وعاظ هذا الزمن، وهم يحتكرون الرأي في الحياة ويقلبون حياة الناس ويكرهونهم في الدين، وهذه قضية أخرى أهم من إردوغان.