الإصلاح عملية مؤلمة تتطلب تكاتف الجميع، فقد لا نشعر بالآثار الآن لكنها ستظهر على السطح على شكل انضباط وانسيابية وتناغم بين أجهزة الدولة وخططها

الإصلاح كلمة ومفردة عملية في واقعنا السعودي اليوم، فالإصلاحات الاقتصادية تأتي في المقدمة، وتتبعها الاجتماعية لتنقية سنين طوال من أدلجة فكرية ممنهجة سيطرت على عقولنا، وجعلت حتى الاختلافات الفقهية تحجب وتظهر الآراء التي تناسب فئة معينة فقط، كحادثة طرد محامية متدربة بالمحكمة العامة بالرياض، والذي طالعتنا الصحف به مؤخرا، ورغم أن كشف الوجه مختلف عليه! متناسين أن الاختلاف ظاهرة صحية فلسنا نسخا متشابهة، الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي أيا كان لا بد له من بيئة يسود فيها القانون ويصبح عنوان المشهد السعودي، وهو اليوم كذلك بقيادة ملكنا الحازم الأمين، وولي العهد الشاب القانوني الكريم، إلا أن هناك مثبطات في البيئة القانونية السعودية وجب علينا إصلاحها والنظر لها جديا، حتى تكتمل مسيرة الإصلاح، فالقانون عماد أي دولة مدنية حديثة، وبإحكام القانون وبالأخص تنفيذه وتطبيقه بالشكل الصحيح على كائن من كان، ينضبط الجميع سواء أكانوا مسؤولين أو مواطنين أو مقيمين، ولا يخفى كذلك أن الجهات الإعلامية المختصة لا بد لها أن تقوم باللازم اتساقا مع إشاعة ثقافة القانون في المجتمع والتوعية به، حتى تتكامل الجهود وتثمر.
إن الإصلاح عملية مؤلمة تتطلب تكاتف الجميع، وتتطلب شجاعة في التنفيذ واتخاذ القرار، فرغبة التغيير لا تأتي بين عشية وضحاها، والتميز والتغيير لهما ثمنهما، فقد لا نشعر بالآثار الآن لكنها سوف تظهر على السطح على شكل انضباط وانسيابية وتناغم بين أجهزة الدولة وخططها الاستراتيجية المنفذة، والتي سوف تنفذ، فالكل يعرف ما له وما عليه.
إن الإصلاح القانوني في السعودية أمر حساس وشائك، ففي البداية لا بد أن نفتح ملف التقنين للشريعة الإسلامية بشكل كامل، وأردد وأقول كما يقول آخرون لا يوجد مانع شرعي حقيقي من التقنين، وما هي إلا أضغاث أحلام وتفسيرات بشرية تريد الانغلاق على نفسها للأبد، وتحسب بفعلها هذا أنه لا تأثير ولا تأثر، فلا يخفى على أحد أن بعضا ممن يحرمون القانون وللأسف يعملون كل يوم به، ويفتعلون المعارك حتى يسود رأيهم.
هذا الملف يحتاج دراسة وإرادة سيادية إصلاحية هي غلاف المرحلة السعودية الجديدة، وبعد ملف التقنين لا بد أن نلتفت إلى ملف ازدواجية التعليم القانوني بين تخصص الشريعة الإسلامية، وبين تخصص القانون، والذي أعتقد أن دارسيه ليسوا بحاجة لتعليم شرعي كبير ويكفي ما يأخذونه بالجامعة والتعليم العام للواقع العملي، فنحن بصدد قضاة ومحامين ومدعين عامين وليس مفتين، نقطة الإفتاء هذه نقطة مثيرة للاهتمام، فالقاضي السعودي بسبب عدم التقنين في القوانين الموضوعية -لا الإجرائية- أنتج لنا فراغا قانونيا أصبح فيه القاضي مجتهدا طوال الوقت، والمفترض بداهة أن الاجتهاد للقاضي أمر طارئ في القضايا الجديدة التي لم يغطها المشرع بسن قانون، وأما البقية من القضايا التي شرعت لها قوانين فالقاضي مطبق للنصوص القانونية في الغالب الأعم مع موازنة الأدلة المقدمة من الأطراف وقوتها، ولا اجتهاد في معرض النص كما يقال، بل الأسوأ أن يحكم القاضي بعلمه الشخصي، وهو هنا يصبح شاهدا خبيرا لا قاضيا، ولا يعرف كذلك الفرق بين استئناف وتمييز، لذا لا تستغربوا إذن الشهور الطويلة لمواعيد الجلسات القضائية!
 بعد ملف التقنين والازدواجية في التعليم القانوني، يطل علينا ملف اللجان شبه القضائية، والتي عددها يقارب التسعين لجنة تعمل داخل الوزارات التنفيذية، وهي لجان قضائية يفترض بها الاستقلال التام وضمها للمحاكم ضمن فكرة القضاء المتخصص بدل التشتت الحالي، فمبدأ الفصل بين السلطات -وهو مبدأ يقوم على فكرة أن لكل سلطة مجالها الذي تعمل به- ولا يحق لها التداخل إلا ما كان منصوصا عليه قانونا ضمانا لانسيابية العمل، وألا تطغى سلطة على أخرى ليعملوا في تناغم واضح، وجب علينا في هذه المرحلة المعاصرة رسم ملامح هذا المبدأ.
على صعيد متصل يبقى أيضا ملف هيئة المحامين ملفا مهما ولا بد من ضمان استقلاله عن الوزارة، وإعطائه سلطات أكبر لخدمة المحامين، وأيضا رقابة هيئة المحامين على المحامين ذوي الشهادات الوهمية، والتي لم تعادَل من وزارة التعليم، أو الذين يدعون اختصاصات معينة رغم أن مؤهلاتهم تبوح بغير ذلك، فهذا خداع مبين، لا بد أن تتصدى له هيئة المحامين، بوثيقة أخلاقيات وقسم للمهنة. ولا بد لنا أن نكون شجعانا ونخصص القضاء والمحاماة للقانونيين فقط.