لست مع إعطاء الإجازات الكثيرة من دون سبب جوهري أثناء العام الدراسي، فقد كان والدي صارماً في موضوع الغياب ونحن صغار، فتعلمنا ألا نغيب إلا في الضرورة القصوى

يعتبر مصطلح «تعليق الدراسة» جديداً على جيلنا، فلا أذكر أنه عُلقت الدراسة رسمياً عندما كنا طلبة، إلا اللهم إبان حرب تحرير الكويت، وكان ذلك أمراً طبيعياً ومفهوماً ومطلوباً. وإن كنت لا أنكر أن بعضنا كان يتغيب في تلك الأيام بسبب الأحوال الجوية أو غيرها، ولكنني لا أذكر أنه كان استجابة لقرارات رسمية من وزارة المعارف أو الرئاسة العامة لتعليم البنات أو وزارة التعليم العالي، (تم دمج هذه الوزارات لاحقاً لتصبح وزارة التعليم). ويبدو أن نقطة التحول في فكر الإدارات التعليمية بحيث باتت تمنح هذه الإجراءات بسبب الأحوال الجوية هي الأمطار الشديدة التي ضربت جدة قبل حوالي عشر سنوات، وتسببت في وفيات عدة وأضرار في الممتلكات العامة والخاصة. كما أن البعض نجا بحياته بالفعل من هذه المأساة لكنه قضى ساعات عالقاً في مكان ما بعيداً عن أهله وبيته، ومن بينهم طلبة مدارس وجامعات ومعلمات وغيرهم. آنذاك تم توجيه اللوم للمسؤولين في وزارتي التعليم والتعليم العالي على عدم تنسيقهم مع وزارة الأرصاد وأخذ احتياطات استباقية تجنب أولادنا وبناتنا الخطر في ظل طقس قاس وغير معتاد، واستعدادات غير كافية للتعامل مع المشكلة. من بعدها بات الحصول على إجازة ليوم أو بضعة أيام بسبب الجو أمراً شبه معتاد في كل فصل دراسي (أو عام دراسي على الأقل). وفي كل مرة يتكرر النقاش ويتم طرح السؤال: هل نعلق الدراسة أم لا نعلقها؟
في مساء يوم الأحد من هذا الأسبوع كنت قد أنهيت استعداداتي واستعدادات ابني للذهاب للمدرسة والجامعة في اليوم التالي، وأوشكت أن أخلد للنوم عندما علمت بأمر تعليق الدراسة الذي صدر في وقت متأخر جداً ليلتها. فلو أن شخصاً صلى العشاء ونام لما علم بالأمر، وهذا أحد تحفظاتي على موضوع تعليق الدراسة. فمع أن تقديرات الأرصاد الجوية تصدر قبلها بعدة أيام في الغالب، فإن قرارات تعليق الدراسة تصدر في وقت متأخر، وكأن نيزكاً هبط فجأة من السماء، أو حرباً غير متوقعة نشبت للتو، مما يتسبب في الكثير من الإرباك للأسر لجهة المواصلات، وأيضاً ترتيبات العناية بالأطفال إذا كانت الأم عاملة ولم يمنحها عملها إجازة في ذلك اليوم. وهو مربك للمعلمين والمعلمات وأساتذة الجامعات، خاصة فيما لو كان هناك امتحان أو تسليم واجب أو مشروع، إذ يتوتر الطلبة ويرتبكون ويطاردون الهيئة التعليمية لمعرفة مصيرهم الساعة الثانية عشرة فجراً!
فلماذا لا يتم التنسيق على مستوى عال وبشكل مبكر مباشر بين الوزارات المعنية بحيث تصدر القرارات في وقت مناسب وبشكل واضح؟ وبالنسبة للتمديد، في حال استمرت الأجواء السيئة، فلا بأس من إصدار القرارات بشكل يومي مواكب للتطورات المناخية على أرض الواقع.
إن ذلك سيساهم في الحد من الشائعات التي تنشط بشكل كبير في مثل هذه الحالات، فلقد ظللت ساهرة حتى وقت متأخر يوم الاثنين ليلة الثلاثاء انتظر قراراً أكيداً من الوزارة أو الجامعة أو مدرسة ابني، بشأن الدوام يوم الثلاثاء، ولم يصلني شيء، فاتخذت قراري بعدم إرسال ابني لروضته من تلقاء نفسي، خوفاً عليه من الغبار الذي من المتوقع أن يملأ المكان.
وهنا يبرز سؤال آخر: على أي أساس يتم اتخاذ قرار تعليق الدراسة أو استئنافها؟ بحسب مواقع الطقس والأرصاد العالمية المتوفرة على الإنترنت، كان يظهر بأن جدة ستعاني على الأقل من ثلاثة أو أربعة أيام من الغبار والأتربة، أقلها حدة يوم الإثنين ثم الثلاثاء وأعلاها حدة الأربعاء والخميس، فمن غير المفهوم إذن لماذا تم الاستعجال ومنح الإجازة يوم الإثنين، والذي تبين لاحقاً بأنها ربما لم تكن ضرورية فلم تكن هناك أتربة أو غبار حتى فترة الظهيرة (وقت الانصراف)، ولم تكن بالدرجة التي عهدناها أو توقعناها، بينما يتم استئناف الدراسة في الأيام التي يُتوقع – والله أعلم- أن تكون أسوأ؟!
شخصياً لست مع إعطاء الإجازات الكثيرة من دون سبب جوهري أثناء العام الدراسي، فقد كان والدي صارماً في موضوع الغياب ونحن صغار، فتعلمنا ألا نغيب إلا في الضرورة القصوى. وخاصة وأننا نشاهد الطلبة حول العالم يذهبون للدراسة في أجواء أقسى وظروف أصعب. ولكنني في الوقت نفسه أدرك أن بعض هذه الإجازات، استناداً لظروفنا المحلية قد تكون ضرورية. فالمطر الشديد لا يغلق المدارس في لندن، ولكن في جدة التي «تغرق في شبر مويه» كيف نتوقع أن يذهب الطلبة إلى مدارسهم ويعودوا منها بأمان وسلام؟
ولا أتوقع أن عاصفة الغبار إن هبت في ولاية أريزونا الأميركية ستؤدي إلى تعليق الدراسة، ولكننا هنا نعاني، ومن دون عاصفة رملية أو رملية، من أمراض صدرية وتنفسية عديدة خاصة صغار السن، وتعرضهم جميعاً للمشكلات التنفسية والنوبات الصدرية والسعال الشديد في وقت واحد يضع المستشفيات والمراكز الصحية تحت ضغط شديد. والمدارس والمؤسسات التعليمية غير مؤهلة للتعامل مع هذه الحالات ولا لنقلها بالسرعة المناسبة للمستشفى. فالأفضل في هذه الحالة أن يبقى الأطفال مع ذويهم، بحيث يحاولون حمايتهم ابتداء من التعرض غير الضروري للغبار، ويتولون علاجهم فيما لو تضرروا فعلاً.
نعود للسؤال الذي بدأنا به المقال: هل نمنح الطلبة إجازة بسبب سوء الأحوال الجوية؟ الجواب يعتمد على مدى شدتها وأضرارها المتوقعة، ومدى تطور بنية المدن التحتية وخدماتها الصحية واستعداداتها الإسعافية والتجهيزات الطبية المدرسية، التي نأمل أن تتحسن في السنوات اللاحقة. وأن يكون هناك تنسيق مسبق بين وزارات التعليم والصحة والأرصاد، ويتم إعلام الإدارات التعليمية بالأوقات المتوقعة لاحتمالية تعليق الدراسة، بحيث يُراعى ذلك لدى توزيع المناهج وترتيبات الاختبارات الدورية، فالتقنيات الحديثة المستخدمة في توقع حالة الطقس باتت توفر المعلومات بشكل مسبق ودقيق وسريع. وحينما يتم اتخاذ قرار بتعليق الدراسة بالفعل يجب أن يتم إعلانه بشكل واضح في عصر اليوم السابق مثلاً وليس بعد منتصف الليل، فنتجنب بذلك لعبة القط والفأر في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بين الإعلان عن إجازة ثم النفي ثم الإعلان من جديد حتى فجر اليوم التالي!