لا أشك أن غالب رجال العالم الإسلامي يظنون الحجاب مسألة تتعلق بشواربهم ومدى رجولتهم وقوة سلطتهم، كما لديهم ظن أسوأ وهو أن الحجاب وضع لحمايتهم من الفتنة.
هذان الأمران اللذان يظنونهما حقائق ينقضها بكل هدوء جزء من آية الحجاب المعروفة «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَ?لِكَ أَدْنَى? أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ».
ونجد أن الإله اللطيف الخبير يأمر نبيه بإخبار النساء بفرض الحجاب، ولم يوجّه له أمر بإلزامهن، ثم يتبعه بعقوبة مثلا مثل كثير من الأحكام الواردة في القرآن الكريم.
مما يجعلنا نتساءل: لماذا؟ لتكون الإجابة، لأن الحجاب ينبع من القلب ولا يمكن فرضه وإجبار امرأة عليه، وإلا ستتحايل عليه، وكم رأينا نساء بعباءات كأنها قمصان نوم أو فساتين سهرة، أو مثل تغطية الشعر وفي الأسفل جينز.
ولو أكملت النص ستجد أنه برر لها الحجاب، لإقناعها به احتراما لإنسانيتها، رغم أنه الله الخالق الرازق، الذي يملك أمرنا بما شاء، ونطيعه تعبدا وخضوعا له، دون أن يحتاج الأمر إلى مبرر مثل تحريم أكل لحم الخنزير.
وفي هذا التبرير بالذات دليل على أن الحجاب يدور حول المرأة لا حول غيرها، وأنه حماية لها وليس حماية منها، كما يظن الرجال، وهذه قضية أخرى تبعدك عزيزي الرجل وتجعل مسألة الحجاب بين المرأة وربّها، بل إنه عندما أراد فرض أحكام خاصة بزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- أخرج النبي تماما، وبادرهن بالخطاب فقال: «يا نساء النبي.....».
وفيها وضع مسائل اختلاطهن وخروجهن وحديثهن مع الرجال، وكلها تم تبرير فرضها عليهن حتى يطبقنها عن قناعة.
الغريب، أنه رغم كل هذا الوضوح، يصر الرجل المسلم على تحميل المسألة ما لا تحتمل، فيفرض ليس الحجاب فقط، بل نوعية الستر الذي ترتديه بقوة القانون وليس بقناعتها، فتتفنن هي في إيجاد طريقة تبدو فيها محجبة وهي لا.
منقبة، وهي تطل بعينين تبدوان أجمل من لو كشفت وجهها.
الحجاب في هذا الزمن -وكما دائما- يجب أن ينبع من داخل المرأة، وهو لا يتعلق فقط بما ترتدي، بل حتى بالسلوك وطريقة الحديث والنظر، وكلها أمور لا تستطيع تغطيتها بالعباءة ولا فرضها بالقانون، ولكنها تأتي من شخصية وتربية ونشأة الفتاة، وأنت معها أو هي وحدها، فإذا كنت تزعم أنك تخاف عليها، ربِّها لتعرف قيمتها، وقيمتها أن تكون سيدة بعقلها وحضورها لا بجمال عينيها وتغنّجها، إن هذا أكثر قيمة من صراع حول شروط الحجاب أو نوعيته أو علاقته برجولتكم.