هناك تداعيات إيجابية وسلبية لخيار مقاطعة العملة الإسرائيلية، وهو في منزلة السيف ذي حدين، ويتطلب رفده بخيارات أخرى. وذلك ضمن إستراتيجية اقتصادية وطنية

يستخدم الفلسطينيون الشيكل كعملة رئيسة في معاملاتهم الاقتصادية المحلية، إضافة إلى عملة الدولار الأميركي، وفي أحيان نادرة الدينار الأردني.
والشيكل هو مصطلح عبري قديم، مشتق من الكلمة العبرية «مِشْكَال»، أي وزن.
تم البدء بتداوله تحت اسم الشيكل القديم عام 1980. بعد أن استخدمت الليرة الإسرائيلية خلال الفترة الممتدة من أغسطس 1948 حتى 23 فبراير 1980. وظل الشيكل القديم عملة إسرائيل حتى 31 ديسمبر 1985، وبسبب التضخم استبدلت العملة مرة أخرى بـ«الشيكل الجديد»، بدءا من سبتمبر 1985.
ونتيجة تبعية الاقتصاد الفلسطيني القسرية للاقتصاد الإسرائيلي، نظرا لواقع الاحتلال وقيود اتفاق أوسلو السياسي واتفاق باريس الاقتصادي، تنعكس أزمات الاقتصاد الإسرائيلي سلبا على نظيره الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولمواجهة أزمة الشيكل، ورزمة العقوبات التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين عام 2014، منها: رفض استقبال الودائع المالية من البنوك الفلسطينية، وتجميد تسليم أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية عقب توقيع الرئيس محمود عباس في 1 أبريل عام 2014 على جملة من الاتفاقيات الدوليّة، أبرزها اتفاقية لاهاي واتفاقيات جنيف الأربع. بدأ تفكير الفلسطينيين باعتماد الدولار أو الدينار كعملة تداول مؤقتة بدلا من الشيكل.
وأعلنت الحكومة الفلسطينية مؤخرا أنها شكّلت لجنة لدرس الانتقال من استخدام عملة الشيكل الإسرائيلية إلى أي عملة أخرى، ودرس إمكان إصدار عملة فلسطينية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يبحث فيها الفلسطينيون في إمكان الاستغناء عن العملة الإسرائيلية. وطرح الموضوع عام 1998. وكانت سلطة النّقد الفلسطينيّة هدّدت في أبريل عام 2014 على لسان محافظها جهاد الوزير، باللّجوء إلى الدولار الأميركيّ أو الدينار الأردنيّ كعملة تداول مؤقّت، بدلا من الشيكل.
وفي عام 2016، صرّح عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الفلسطينية، ومفوض العلاقات الدولية في الحركة نبيل شعث، بأنّ سلطة النقد، ووزارتي المالية والاقتصاد، تدرسان إمكان إلغاء التعامل بالشيكل الإسرائيلي، وذلك ضمن عمليّة قطع العلاقات تدريجيّا مع إسرائيل.
ونظرا، لأن الجانب الإسرائيلي يتعامل مع الفلسطينيين بعملة الشيكل عند الشراء منهم، ويرفض التعامل بالدولار. وتتحكم إسرائيل في توريد العملات إلى قطاع غزة، الذي يعاني شحّا في العملات، خصوصا الدولار.
ويعتقد الخبير الاقتصادي نصر عبدالكريم، أن «تنفيذ الأمر والاستغناء عن العملة الإسرائيلية شيء صعب للغاية. وتطبيق قرار مقاطعة الشيكل هو تمرد على اتفاق باريس».
كما يعتقد الخبير الاقتصادي معين رجب، أن قرار مقاطعة الشيكل «غير قابل للتطبيق بحذافيره ويتعيّن أن يتم بصورة متدرجة خطوة تلو الأخرى إلى حين امتلاك قرار بخصوص الاكتفاء الذاتي أو حرية استخدام المعابر وإصدار عملة محلية.
إضافة إلى وجود بنك مركزي فلسطيني يصدر عملة وطنية تكون بديلا للعملات الثلاث المستخدمة: الشيكل، والدولار الأميركي، والدينار الأردني».
ودعا رئيس اتحاد الغرف التجاريّة الفلسطينيّة خليل رزق، إلى اتخاذ «قرار وطنيّ بالاستغناء عن الشيكل، واللّجوء إلى عملة أخرى، في إطار التحلّل من الارتباطات الاقتصادية مع إسرائيل، والفلسطينيّون قادرون على الاستغناء عن الشيكل.
ويمكن التحلل من نصوص بروتوكول باريس، لأنه أصبح في عداد الموتى ولا قيمة له، في ظل عدم التزام إسرائيل بكثير من البنود الواردة فيه.
واعتماد أي عملة أخرى لن يعوق حجم التّبادل التجاريّ، لأنّنا نصرّ على التحلّل من التبعيّة الاقتصادية، وهو أمر أصبح مُلحّاً، وسينعكس إيجابا على تمكين ودعم المنتجات الفلسطينيّة وزيادة حصّتها في الأسواق المحليّة».
وفي السياق نفسه، يعتقد مدير دائرة الأبحاث والسياسات النقديّة في سلطة النّقد الفلسطينية محمّد عطا «أنّ الدول الّتي لجأت إلى نظام الدولرة «بمعنى تبني عملة دولة أخرى»، إمّا أن تكون لديها معدّلات تضخّم عالية جدّاً، أو أنّ أداءها الاقتصادي والنقديّ دون التوقّعات عموماً، وهذا لا ينطبق على فلسطين، لأنّ معدّل التضخّم متدنٍ جدّا قياسا بالدول المجاورة، كما أن الأداء الاقتصادي متذبذب لارتباطه بالظروف السياسية.
وإن اعتماد عملة دولة أخرى مستقرة سيحقّق استقرارا في الأداء الاقتصادي النقديّ في فلسطين، لما لذلك من دور في زيادة التبادل التجاري بينها وبين الدولة صاحبة العملة المستخدمة، سواء كان الدولار الأميركي أو الدينار الأردني، بسبب انخفاض تكاليف عمليّة التبادل التجاريّ مع تلك الدولة، مّما يؤدّي إلى زيادة التكامل الاقتصادي مع الأسواق الماليّة الخارجيّة، في ظلّ انخفاض معدّلات الفائدة، الأمر الذي يشجّع الاقتراض والاستثمار في فلسطين».
ويقوّي استخدام الفلسطينيين للشيكل العملة الإسرائيلية، لأنها تخزن في البنوك الفلسطينية. وسيؤدي وقف التعامل بالشيكل إلى التأثير على سعر صرفه.
فالمقاطعة تعني عرض الشيكل في سوق القطع، وبيعه مقابل شراء عملة أخرى.
لكنه سيستدعي ردا من السلطات الإسرائيلية، وفي الغالب، سيكون الرد عبر احتمالين: الأول: هو عرض الجانب الإسرائيلي كميات كبيرة من الدولار في السوق، والاحتمال الثاني: هو استغلال انخفاض سعر صرف الشيكل لزيادة الصادرات، فالانخفاض يعني انخفاض سعر الصادرات، واكتسابها قدرة تنافسية، وتحقق إسرائيل في هذه الحالة، قدرة تنافسية تجاه البضائع الفلسطينية نفسها.
ويبلغ حجم التّبادل التجاريّ بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، والّذي يمرّ عبر التّبادل المصرفيّ، نحو 20 مليار شيكل كل عام «5 مليارات دولار».
إجمالا، هناك تداعيات إيجابية وسلبية لخيار مقاطعة العملة الإسرائيلية، وهو في منزلة السيف ذي حدين، ويتطلب رفده بخيارات أخرى. وذلك ضمن إستراتيجية اقتصادية وطنية مستمدة من إستراتيجية سياسية ترتكز بدورها إلى توافر الإرادة والكفاءة في إدراك قوانين الاقتصاد السياسي للصراع في فلسطين.