باتريك شاركي*

على مدى أكثر من أربعة عقود، ركَّز نهجنا الوطني على العقاب لمكافحة الجريمة والعنف. وقد ازداد عدد قوات الشرطة لتُصبح أكثر قوة، وأصبح المدَّعون أكثر عدوانية، وأضحت سياسات العدالة الجنائية قاسية على نحو متزايد. ونتيجة لذلك، سجلت الولايات المتحدة معدلات مساجين لم يسبق لها مثيل. فهناك ما يقرب من 7 ملايين أميركي في السجون بمقتضى نظام العدالة الجنائية، إما تحت المراقبة أو الإفراج المشروط.
ويعتبر عدد من الأميركيين والسياسيين أن نظام السجون لدينا مأساويا حيث يستند إلى سياسة مضللة ويواجه ردود فعل مفرطة. ومع ذلك، فإن مناقشتنا العامة حول الجريمة والعنف لا تزال تبدأ وتنتهي فقط بمحادثات حول الشرطة والسجن.
ولهذا فإن إصلاح نظام العدالة الجنائية حقا، يحتاج أولا إلى البعد عن الاعتقاد بأن العقاب هو الرد الأمثل على العنف في المناطق المتحضرة. والواقع أن هناك أدلة كافية لدعم نموذج جديد تماما لمكافحة الجريمة والعنف، ألا وهو «الاستثمار المجتمعي».
لقد ظهر نموذج «العقاب» في أواخر الستينات، عندما شهدت المدن زيادة سريعة في الاضطرابات الاجتماعية والجرائم العنيفة. ولكنها توسَّعت وتكثَّفت في التسعينات، عندما أُعتبرت الجريمة العنيفة أزمة وطنية. فالعديد من المراكز الحضرية الرئيسة لم تشهد معدلات عنف، إلا في البلدان التي مزقتها الحروب. وقد سارع السياسيون من مختلف أرجاء الطيف السياسي إلى أن يكونوا أكثر صرامة من خصومهم في مواجهة الجرائم، كما تم اعتماد بعض سياسات العدالة الجنائية الأكثر تطرفا، مثل قانون ولاية كاليفورنيا.
وعلى الرغم من أن «الاستثمار المجتمعي» لم يكن جزءا من مناقشات سياستنا حول العنف بأي طريقة حقيقية، فإن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن منظمات مثل لجنة الأمن والتعاون في مجال حقوق الإنسان - هناك الآلاف منها - لعبت دورا رئيسيا في خفض معدلات الجريمة. وفي بحث أجريته أنا شخصيا في مدينة نموذجية يقطنها نحو 100 ألف نسمة وجدت أن هناك منظمات شُكلت لمكافحة العنف ولبناء مجتمعات أفضل، أدت إلى خفض معدلات القتل إلى 9 %.
وفي السنوات الأخيرة، أظهرت تقييمات صارمة لعدة أنواع من البرامج الموجهة للمجتمع المحلي أن برامج ومبادرات الوظائف الصيفية لتنظيف المناطق المهجورة مثلا قد حققت نجاحا هائلا في الحد من الجرائم العنيفة. وفي شيكاغو، كان الشباب الذين تم تعيينهم عشوائيا للمشاركة في برنامج يُسمى «كيف تصبح رجلا»، الذي يجمع بين البرامج الرياضية بعد المدرسة والمعالجة السلوكية المعرفية، كان نصفهم من أولئك الذين لم يرتكبوا جريمة عنيفة.
وتوفِّر الأدلة مخططا لنموذج جديد للسياسة الحضرية: فبدلا من الاعتماد كلية على إدارات الشرطة ونظام العدالة الجنائية، ينبغي لنا أن نستثمر في السكان والمنظمات التي لديها المقدرة للسيطرة على العنف، ولكن تنقصها الموارد للقيام بذلك العمل بطريقة مستديمة.

*أستاذ ورئيس علم الاجتماع بجامعة نيويوركصحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأميركية