في علاج مرض التطرف، لا مكان للتشاؤم، أو تأجيل تدارك الأوضاع، ومن هنا صار واجبا على المهتمين الصادقين نشر أساليب التوقي منه، ثم كيفية علاجه؛ بغرس قيمة تقبل الاختلاف

يمثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، تظاهرة ثقافية رائعة، تتجدد سنويا، منذ 48 سنة، ويؤكد المتابعون للشأن الثقافي، أنه ما زال المعرض الأقدم والأكبر والأول عربيا في موضوعه، والثاني عالميا بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، الذي يبلغ عمره الآن أكثر من خمسة قرون.. الأسبوع الماضي، وفي القاعة الثقافية لجناح الأزهر الشريف؛ أحد أهم أجنحة المعرض، نظم مجلس حكماء المسلمين، ندوة علمية عن مفهوم التطرف، وأنواعه، وكيفية معالجته؛ وكان إتقان طرح المشاركين في اللقاء، عضوي مجلس الحكماء، الشيخ الدكتور أحمد الحداد، كبير مفتي إدارة الإفتاء بإمارة دبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة، والدكتورة كلثم المهيري، الأستاذ المساعد بمعهد دراسات العالم الإسلامي، بجامعة زايد، والتفاعل الإيجابي للحضور، أهم أسباب تسهيل إدارتها علي، وإظهارها بالمظهر الجديد؛ ولا سيما أن الكلام عن موضوع التطرف يتكرر كثيرا، وأغلبه يأتي خاليا من الجوانب العملية والإحصائية؛ وقد كان مفزعا بالفعل، سماع تلك الأرقام العالمية المتزايدة للتنظيمات المتطرفة فكريا ودينيا، والتي تعلنها معظم الدراسات المتخصصة في مجال التطرف والمتطرفين، وخاصة تقارير اللجنة الخاصة بمكافحة الإرهاب التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ والتي أكدت أكثر من مرة، على أن انتشار العناصر الإرهابية مستمر، وأن عمليات الإرهاب غير متوقفة..
 لا يكاد يوجد إجماع على مفردة (التطرف) من ناحية اللفظ، إلا أن المعنى يحتمل تلخيصه في أن المقصود منه، كل أو بعض الأفكار الشاذة غير المبررة، التي تجاوزت حد الاعتدال، وخرجت عن القواعد والقيم، وتبنت المعايير المختلفة، وهو ما أنتج للمجتمعات الآمنة التكفير البغيض، وفوضى التفسيق والتبديع، والاستماتة في ممارسة الوصاية على عقول الناس، والجناية على الدين باسم الدين، كما هو مشاهد ومسموع؛ ولا شك أن للتطرف عوامل ومسببات عديدة، ومهما أطلنا في ذكرها، إلا أنه لا يصح لنا أن نغفل مثلا ذكر؛ أن الحِرمان الاقتصادي، والإقصاء الجائر، والانتقاء غير العادل، والتهميش المتعمد، والفصل بين أفراد المجتمع، والتفكيك القسري للمؤسسات الاجتماعية والثقافية، والتشدد، والغلو، والعنف، وسوء الظن، واستباحة الأنفس، وعدم ترتيب البيت العام، أسهمت في تكوين الكثير من الأفكار المشوشة والملوثة لدى أبناء وبنات الجيل الحالي.
في علاج مرض التطرف، لا مكان للتشاؤم، أو تأجيل تدارك الأوضاع، ومن هنا صار واجبا على المهتمين الصادقين نشر أساليب التوقي منه، ثم كيفية علاجه؛ بغرس قيمة تقبل الاختلاف، ورفض التمييز، وتأجيج الكراهية، وعدم الاستسلام للتحديات الصعبة، ومكافحة محاولات تفكيك النسيج الوطني، وهذه قيم يمكن الاتفاق عليها، بل يلزم التعاهد على احترامها، كما أنه لا بد من تبني الدرجة الدنيا من التسامح، وتقديم نماذج متطورة لتعزيز قيم الإسلام الحقيقية، المبنية على الحوار، وعدم السماح بالتصنيف، أو ازدراء الغير، أو تأجيج الكراهية بين الناس، كما أنه لا بد من تأييد المخلصين والرافضين لهذا الفكر، ودعمهم في خطواتهم التي يقومون بها، من أجل تصويب الأفكار الخاطئة، وأخيرا ـ أكرر ـ لا بد أن يعي المتصدرون للعلم الشرعي قبل غيره دورهم، وأن كلماتهم مؤثرة، وأن الموضوعية مطلوبة، وعلى الكل الاعتناء بفهم الواقع المعاش، والاجتهاد في التعرف على ملامح المستقبل.