لاشك أن الحال الراهن للعرب، يتسم كما معروف، بالتجزئة، والتشرذم، والاضطراب الأمني. وفي خضم هكذا ظروف من سوء الحال تلعق فيها الأمة جراحها بألم بالغ، وما ترتب على ذلك من احتقانات داخلية.. يأتي قرار الرئيس الأميركي ترمب، باعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني المحتل، انحيازا واضحا للكيان الصهيوني، وتجاوزا لكل القرارات الدولية التي تستهدف الوصول إلى تسوية عادلة للصراع العربي الصهيوني، ليزيد هذا الحال المتردي سوءاً وإنهاكا.
ولعل ما تتعرض له الأمة اليوم من أخطار، في إطار هذا السياق من التحديات الداخلية، والخارجية، يأتي في صميم مخطط مشبوه للإجهاز على ما تبقى من أشلاء الجسد العربي، وذلك بقصقصة أوصاله، وشل حركته، بهدف تقويض ما تبقى فيه من نسغ إمكانات التكامل، الكامنة في روح الأمة.
ومن هنا فإن المطلوب من العرب اليوم، التحرك بشكل عاجل لتوحيد طاقاتهم، والحد من تبديدها في صراعات داخلية، ونزاعات بينية، وأن يستثمروا الكامن منها على عجل، في إطار مؤسسي تكاملي بالحد الأدنى، إذا كان خيار التوحد يبدو صعب التحقيق في الظرف الراهن. فالعرب يمتلكون الكثير من عناصر القوة، بما لديهم من طاقات كامنة، تتمثل في غزارة الثروات الطبيعية، وكثافة الموارد البشرية، وحيوية الموقع الإستراتيجي.
ويتطلب الأمر، وفي ضوء هذه الظروف العصيبة، أن يتصدى الجميع، حكاما، ومؤسسات شعبية، وقوى وأحزابا سياسية، وتيارات ثقافية، وفكرية، ومواطنين، لتحقيق لم الشمل، وتوظيف الإمكانات العربية المتاحة على نحو أفضل، وبما يعجل حركة الاقتراب من حال التوحد، لغرض تفويت الفرصة، على مخطط القضم، الناشط بشكل مسعور هذه الأيام، والحفاظ على البقية الباقية، من الكيان العربي، وذلك بغية تجاوز ضعف الحال أمام التحديات المصيرية، التي أنهكت الأمة، والنهوض بها من جديد.
على أن استمرار المراوحة عند هذا الحال المتردي، سيعمق في ساحة الأمة تداعيات ظاهرة الإحباط الجمعي، والعجز المتصاغر أمام الغير، وتبدد طاقاتها، وتؤخر عملية نهوضها المعاصر، الأمر الذي يرسخ تبعيتها السياسية والاقتصادية والتكنولوجية، ويقيد حرية إرادتها السياسية، مما قد يؤدي بالمحصلة إلى استلاب حضاري صارخ، يخلخل الكثير من قيمها، بما فيها التفريط في ثوابتها الوطنية، والمس بمقدساتها الدينية.