تنفيذ الواجبات المدرسية داخل المدرسة، وتحت إشراف المعلم، أفضل وأسلم للطلاب والمعلم والعائلة، فالفروض المنزلية الثقيلة التي يُحَمَّل بها أبناؤنا يوميا، لم تضع تعليمنا في مصاف الدول المتقدمة
«يابنتي حلِّي واجبك، الله يرضى عليكِ! يا بابا تعبت، كل يوم ندرس بالمدرسة، وها الحين بالبيت صار لي ساعتين أحل الواجب. أبي أشوف أفلام كرتون، أو ألعب بلاي ستيشن تعبت من المذاكرة!...».
هذه المحادثة العائلية الهادئة، سرعان ما تنقلب إلى حالة توتّر وصراع، لحرص الوالدين على أداء الواجبات المنزلية، لكسب النجاح والتفوق وتحمل المسؤولية.
وفي المقابل، تذمّر ودموع الأبناء من ثقل اليوم الدراسي وإرهاق الواجبات، ورغبتهم في اللهو واللعب وممارسة طفولتهم البريئة.
يقضي الأطفال في المرحلة الابتدائية حوالي 6 ساعات في المدرسة، ويعودون إلى البيت بواجبات منزلية كثيرة ومُمِلّة، يتفاعل معها الأطفال قسرا بلا رغبة ولا تركيز!.
في عام 2006، جمع البروفيسور «هاريس كوبر» -خبير التعليم والواجبات المنزلية في جامعة ديوك الأميركية- «60» دراسة معنيّة بالواجبات المدرسية، وبعد التحليل العلمي لها قال «لا يوجد أي دليل على أن كمية الواجبات المنزلية تُحسِّن الأداء الأكاديمي لطلاب المرحلة الابتدائية»، بل اكتشف أن تأثيرها سلبي على صورة المدرسة في ذهن الأطفال! ونتيجة ذلك، فإن بعض المدارس الأميركية ألغت الواجبات المنزلية كطريقة جديدة في التعليم، وجعلت الطلاب ينفّذون واجباتهم داخل المدرسة، وبإشراف المعلمين، بهدف جعل المدرسة بيئة جاذبة للأطفال، وكذلك تحريرُهم من الواجبات المدرسية في المنزل.
جمهورية فنلندا ألغت الواجبات المنزلية تماما، وجعلت الأطفال يعيشون طفولتهم ويستمتعون بوقتهم. يقضي الأطفال في المدرسة 4 ساعات يوميا، «20» ساعة أسبوعيا، ولا يوجد أي اختبارات خلال المرحلة الابتدائية، وتُعدّ فنلندا من أقل الدول في عدد ساعات اليوم الدراسي، وعدد أيام الدراسة سنويّا، هذه النتيجة جعلت فنلندا تحصد المركز الأول عالميا وفق تقرير التنافسية العالمية في كفاءة التعليم لعام 2016.
وزيرة التعليم في فنلندا تقول «أحد عناصر نجاح التعليم في بلادي، هو عدم وجود الفروض المنزلية، وذلك كي يتوافر للأطفال مزيد من الوقت ليعيشوا طفولتهم، ويستمتعوا بالحياة».
في إسبانيا، عدّ مجلس آباء وأمهات الطلبة، الواجباتِ المنزلية غيرَ ضرورية، وطالب المعلمين بعدم تحميل الطلاب واجبات مدرسية للقيام بها في المنزل، وأكد المجلس في نداء إلى أولياء أمور الطلبة أهمية عدم الانصياع لأداء الواجبات المدرسية في المنزل، واقترح المجلس أن تُستبدل الفروض المنزلية بأنشطة أخرى: كزيارة متحف، أو أحد معالم المدينة، وغيرها من الأنشطة التي تكون بصحبة العائلة.
في مدارسنا، يتم إغراق الطلبة بالواجبات المنزلية الكثيرة والكبيرة، التي تفوق أعمارهم وقدراتهم العقلية والذهنية، مما يجعل الأسرة تعيش حالة صراع وتوتر.
هناك ظلم مع طلاب المرحلة الابتدائية على وجه الخصوص، بإشغالهم في المنزل بالواجبات، وحرمانهم من الجلسة العائلية، والتسلية والمرح، والراحة والنوم الجيد، واكتشاف قدراتهم ومهاراتهم.
الواقع الذي نعيشه أن بعض أولياء الأمور يجتهد -رحمة بأبنائه- بحل الوجبات نيابة عنهم، وبعض آخر لا يستطيع معرفة الحل، وبالتالي يعيش الحيرة مع أبنائه!.
تنفيذ الواجبات المدرسية داخل المدرسة، وتحت إشراف المعلم، أفضل وأسلم للطلاب والمعلم والعائلة، والحقيقة أن الفروض المنزلية الثقيلة التي يُحَمَّل بها أبناؤنا يوميا لم تضع تعليمنا في مصاف الدول المتقدمة بالتعليم في التقارير العالمية!، وبالتالي أرى أن الوقت حان للتأمل فيها من الخبراء والمهتمين في التربية والتعليم، والخروج بحلول مناسبة للفئة العمرية، ولتنمية المهارات المعرفية والشخصية.