في تحقيق قامت به صحيفة نيويورك تايمز، أثبتت فيه أن ما لا يقل عن 48 مليون حساب في «تويتر» هي حسابات تم بيعها وتزويرها لمصلحة شخصيات عامة ودول ومؤسسات، هذه الحسابات تدافع وتعيد التغريد، وتنشر آراء معينة، وتقوم بحملات منظمة لأهداف معينة.
إذا أضفنا إلى ذلك الجهود التي تقوم بها المراكز السعودية المهتمة بمثل هذه الأحداث، والتي نبهت مؤخرا إلى وجود ما يسمى «الحسابات السوداء» المدعومة من نظام الحمدين في قطر، والمسؤولة عن هاشتاقات عدة، واصلت على مدى سنوات خلق خلافات وقضايا بين المجتمع وأطيافه المختلفة من جهة، وبين الأجهزة الحكومية من جهة أخرى، يجعل «تويتر» يفقد المصداقية التي خُيل لكثير من المستخدمين أنها موجودة من قبل.
كما أن وجود المحاسبة على التغريدات وما يسمى «الجرائم الإلكترونية» دفع الناس إلى يكونوا أكثر حذرا في التغريد، ورفع نسبة الشعور بالمسؤولية الشخصية حتى على مجرد «الرتويت»، وكل ذلك سيؤدي حتما إلى هجر «تويتر» وغيره من منصات التواصل الاجتماعي.
في الحقيقة، إن «تويتر» كان مسرحا حقيقيا للحياة، فالكاتب المحترم أمام الناس لا يتورع عن شراء «يوزرات» تدعمه وتدافع عنه، بل تدخل لتناقش أي انتقاد يُوجّه إليه حتى لو كان من يوجهه إليه صديق أو زميل مهنة
والمطربة المميزة وضعت لها جيشا من الفانزات يشنون حملات على منافستها، مما يقنعك أخيرا أن الإنسان كثيرا ما لا يكون قادرا على إثبات وجوده بالاقتناع فقط بإمكاناته التي وهبه الله إياها.
المحزن أن تجد شخصا يختلق يوزر رديف ليمتدح نفسه، مما يدفعك إلى التساؤل: ألم يجد هذا الشخص أشخاصا حقيقيين يقولون له: أنت جميل كفاية ومميز؟
لماذا أصبحنا في عالمنا الواقعي نحقر أقل المعروف «الكلمة الطيبة»، حتى يلجأ رجل كبير في السن إلى «يوزر رديف» يثني على نفسه به؟
الأسوأ أن تكون هناك قضية إنسانية حقيقية يوضع لها هاشتاق ثم يختفي، لأن شخصا ما اشترى هاشتاقا آخر ورفعه بدلا منه، فينصرف الناس إليه ويتركون هذا!
أيضا، إن هذا الزيف وهذه الإشكالات الإنسانية التي عشناها كسعوديين في «تويتر» وحركتنا وأحزنتنا وأفسدت علاقتنا، كشفا أننا بعيدون جدا عن الوعي، ليس فقط بأدواته الحديثة وحسب، بل الوعي الذي أوصى به سلفنا الصالح في أثر، مثل «أميتوا الباطل بعدم ذكره».
فتجد أي شتيمة توجه إلى قياداتنا أو شيوخنا أو إعلامنا، لا ينشرها أحد مثلنا، فنضع هاشتاقا نشتم به الشاتم، ونروّج شتيمته، وهذا يذكّرني بوصية سيدنا علي عليه السلام حين حذّر من الأحمق فقال: «إياك ومصادقة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك»، فأي ضرر أكثر من ترويج مقطع يسخر فيه وضِيع من شخص عظيم.
كذلك، هناك أثر عظيم لمعاوية يقول فيه: «ثلثا الحكمة التغافل» وهي أكثر الوصايا تجاهلا من الناس في «تويتر»، فنحن أشبه ما نكون بمشروع احتراق ينتظر الإشعال، مما يستنفد الطاقات ويتعب العقول، في أمور لا يغيرها نقاشنا وخلافنا ومعاركنا.
لا شك أن «تويتر» ينتحر ويتهاوى، لكنه مجرد أداة قد يظهر غيرها، ويظل المعتمد ما نعقله نحن ونتصرفه انعكاسا لثقافاتنا وتعليمنا.