على العالم إدراك أن أطفال اليمن يعانون وضعا مأساويا، إذ تشير إحصاءات الحكومة الشرعية إلى أن عدد الأطفال الذين يقاتلون في صفوف الانقلابيين تجاوز 30 ألف طفل

من أكبر الجرائم التي اقترفتها ميليشيات الحوثيين الانقلابية في اليمن - ضمن جرائمها غير المسبوقة التي لم يعرف المجتمع اليمني مثيلا لها – تجنيد الأطفال والزج بهم في جبهات القتال الأمامية، دون أن تكون لهم أي سابق خبرة بالأعمال القتالية، سوى دورات تعبئة طائفية لا تتجاوز مدتها في أكثر الأحيان أسبوعين. وهذه الممارسة التي تحرمها كافة الشرائع السماوية، وتجرمها القوانين البشرية، تعني ببساطة وضع حد لمستقبل أولئك الأطفال، بداية بحرمانهم من مواصلة تعليمهم النظامي، وإكسابهم صفات وطبائع لا تتناسب مع أعمارهم، وإجبارهم على تناول العقاقير المهلوسة التي تجعلهم يغيبون عن الوعي، لطرد الخوف عنهم ودفعهم إلى البقاء في ساحة المعركة، وهي عقاقير توفرها لهم طهران، وانتهاء بمقتلهم. حيث تشهد العديد من المدن والمديريات اليمنية بصورة شبه يومية عودة عشرات التوابيت تحمل أطفالا قتلوا في الجبهات.
ولا تقتصر مأساة أولئك الأطفال على القتل فقط، بل إنهم يتعرضون قبل موتهم للكثير من الانتهاكات، مثل الضرب والاعتداء الجنسي، والإجبار على تعاطي المخدرات، وقد وصف كثير من الذين تم أسرهم في ساحات القتال كيف أنهم يكرهون على السير مشيا على الأقدام لمسافات طويلة لعدة أيام متتالية، دون أن يكون معهم ما يكفيهم من الطعام والشراب، وأن الحوثيين خدعوهم بأنهم ذاهبون إلى قتال اليهود والأميركيين، لكنهم يفاجأون بأن من يقاتلونهم هم مواطنون يمنيون مثلهم، ومما يزيد من مأساتهم أن القتل رميا بالرصاص يكون نصيب من يرفض القتال أو يحاول الهرب من الميدان. لذلك تؤكد قيادة التحالف العربي في كثير من تقاريرها أن الأطفال يسارعون إلى تسليم أنفسهم للقوات الموالية للشرعية بمجرد اندلاع المعارك، وأنهم يكونون في حالة يرثى لها من التعب وسوء التغذية. وتبذل قيادة التحالف بدورها الكثير من الجهود من أجل إعادة تأهيل أولئك الضحايا، وعلاجهم من الآثار النفسية التي خلفتها في نفوسهم تلك التجربة الرهيبة التي مروا بها، بل إن قوات التحالف العربي في تعز وغيرها أقدمت على فتح فصول دراسية لهم، لترغيبهم في مواصلة تعليمهم، والعودة إلى حياتهم الطبيعية. كما قامت بتسليمهم إلى عائلاتهم وذويهم. أما إصرار الحوثيين على استغلال الأطفال وحرمانهم من مواصلة التعليم فإنه يتسق مع طبيعتهم وتوجهاتهم، فمعظم قياداتهم من الذين لم يحظوا بأي قدر من التعليم النظامي، مثل زعيمهم عبدالملك الحوثي، كما أن وزير التربية الذي قاموا بتعيينه، وهو يحيى الحوثي، لا يحمل مؤهلا دراسيا، والهدف من وجوده على رأس الوزارة هو تحويل التعليم إلى مراكز مذهبية وطائفية.
ومما يؤسف له أن الأمم المتحدة، وهيئاتها المعنية بحماية الطفولة، مثل اليونيسيف وغيرها، اكتفت بإدانة الحوثيين على تلك الممارسات أكثر من مرة، دون أن تتخذ إجراءات فعلية تضمن حماية الأجيال الجديدة من العنف والإكراه على المشاركة في القتال، رغم أنها لم تتردد في فرض عقوبات مشددة على من يتجاوزون القوانين الدولية في حالات مشابهة أخرى، مما يؤكد أن مبدأ تنفيذ القوانين ومعاقبة المتجاوزين بات هو الآخر يخضع لاعتبارات سياسية، تحددها مصالح الدول الكبرى ومنافعها.
لكن على العالم إدراك أن أطفال اليمن يعانون وضعا مأساويا بالغ الخطورة، إذ تشير إحصاءات الحكومة الشرعية إلى أن عدد الأطفال الذين يقاتلون في صفوف الانقلابيين تجاوز 30 ألف طفل، معظمهم تم تجنيده بالإكراه، بعد تناقص عدد المقاتلين نتيجة لضربات المقاومة الشعبية والنجاحات التي يحققها الجيش الوطني ومقاتلات التحالف العربي، وامتناع القبائل عن إرسال أبنائها إلى جبهات القتال، وهذا الوضع يفرض على المنظمات الإنسانية المختلفة التحرك فورا، ووقف تلك الجريمة التي يمكن أن تشكل خطرا على مستقبل اليمن بعد تجاوز مرحلة الانقلاب، وإن كانت منشآت اليمن ومؤسساتها بحاجة إلى إعادة إعمار، فإن إعادة تأهيل أطفاله وشبابه تبقى أكثر أهمية وأشد إلحاحا، لأنهم المعنيون في الأساس بإحداث أي طفرة ونهضة.