في المجتمعات العربية يحظى المعلمون في الغالب بالإجلال والتبجيل، وكأن لديهم العصا السحرية التي تحول المجتمع إلى فاضل، وأفراده إلى أعضاء صالحين، البعض ينظر إليهم على أنهم منزهون عن الخطأ، وإن أخطؤوا فلهم الغفران والسماح وعدم المحاسبة، وآخرون يرون أن العقوبة يجب أن تقع بل ويغلظ فيها قياسا على القدسية التي خلعت عليهم، ويبدو أننا نسينا أن هؤلاء بشر وفيهم السيء والحسن، نتفق أن مهنة التعليم عظيمة، ويفترض في من سلك هذا الطريق أن يكون مهيأ له، لا أن يجده الخيار الوحيد أمامه كي يحصل على وظيفة بينما لا يملك القدرات ولا الروح التي تجعله يتحمل ما يواجه في الميدان من مصاعب، قد يكون في البداية متحمسا للفكرة مبتهجا بالوظيفة، لكنه بالتدريج يصطدم بالواقع، وهناك من يوطن نفسه لتقبل الوضع الجديد، والبعض الآخر يعجز عن ذلك، وعدم التقبل قد يدفعه إلى سلوكيات مستهجنة في تعامله مع طلابه، فنجده يصرخ ويعاقب بالضرب أو الحرمان من الحصة عند أي موقف يحدث في الفصل، ويدخل ساخطا ويخرج كذلك، وكأن هؤلاء الطلاب من أجبروه على تدريسهم، وإن كانت هناك مواقف كشف النقاب عنها فغيرها كثير لم يعلم عنها أحدا، ورغم كثرة الملاحظات على التعليم وأساليبه إلا أن التشديد على ضرورة إعداد المعلمين والمعلمات وتهيئتهم قبل الدخول إلى هذا الحقل لم يلق لها بال، ولو تم العمل بذلك لتلافينا العديد من المشاكل التي قد تصل ببعض الطلاب إلى ترك الدراسة نتيجة تصرف من معلم يجهل الأساليب الصحيحة في التعامل مع هذا الطالب، سواء كان الهدف منها التوجيه بالنصح أو بالعقاب، وهناك بالطبع فوارق واختلافات يجب أن يستوعبها التربوي دون غيره، خصوصا ونحن نحمّله مهمتين في الوقت نفسه، فعليه وهو في غرفة الدرس أن يكون معلما يشرح الدرس ويفصله، وكذلك مربيا يلاحظ السلوك الخطأ ويقوّمه، وإذا كان لابد من ذلك فهل هو في المرحلة العمرية التي تؤهله للقيام بالدورين معا؟ خاصة ونحن نعلم أن بعض المعلمين لم يتجاوز العشرين إلا بسنوات قليلة، بل قد لا يكبر من يدرسهم إلا بفارق بسيط، وهو في هذا الحال أقرب إليهم كرفيق أو صديق، يتبادل وإياهم النكات والتعليقات، وحتى وهو يظهر الجدية في تعامله، يناله نصيب من الدسائس والمؤامرات والتي تصب بالنهاية في تحجيمه قبل أن يبدأ، البعض يمتلك روح التحدي، ويحرص على أن تتغير المجموعة، بل وكسب رضاهم، وغيره يفشل والنتيجة الصدام الذي يتطور إلى رفض وجوده داخل الفصل، والمجاهرة بالرفض بطرق عديدة قد تجعله يخرج عن جادة الصواب، فيرتكب مخالفة كبيرة يصعب التغاضي عنها، وقد يكون الاندفاع وعدم التحكم في الانفعال مرتبا له من خلال الممارسات المزعجة التي يقوم بها الطالب في الفصل بالتعاون مع زملائه للوصول إلى هدف معين، وهو نقطة الغضب الأعمى الذي يفقدك السيطرة على النفس، وبالتالي يكون السلوك موازيا لقوة الاستثارة، وهذا ما لوحظ في مواقف كثيرة تم رصدها ووصلت بقوة إلى مواقع التواصل ليتم التعامل معها وفق المشهد وليس وفق المسبب الرئيس لمثل هذا الفعل، وهنا لا نبرئ أو نقف بجانب من يؤذي بضرب أو غيره من المعلمين والمعلمات طلابه، لكن الواجب منذ البداية إعداد هذه الكوادر بشكل جيد يجعلها قادرة على التعامل مع هذه العقبات بحنكة، وليس بتلك الكمية من الغضب التي تحولت إلى سلوك إجرامي مؤذٍ للجسد والنفس، وفي أغلب المشاهد التي عرضت حول هذا الأمر لا تمتلك نفسك من شدة الغضب بل تطالب بإنزال العقوبة القوية والرادعة بحقّ ذلك المعلم أو المعلمة، وهنا إشارة إلى أن في مدارس البنات ما في مدارس الأبناء.
لسنا سوداويين بحيث نجعل الفصول ثكنات عسكرية، لكن هناك حرمة لذلك الفناء والفصل يجب أن تراعى، وهناك حدود يجب أن تحكم العلاقة بين المعلم والطالب والمعلمة والطالبة، ولا نسمح لها بالتطور إلا في الجانب التعليمي، أيضا هناك إجراء من المفترض العمل به، وهو إخضاع سلوك المعلمين والمعلمات للمتابعة من قبل أخصائيين ومراقبين نفسيين واجتماعيين، كما هو حال الطالب هذا إن وجد في المدارس متخصصون في هذين المجالين اللذين نهمل أهمية وجودهما في الميدان التربوي، مكتفين بالمرشد الطلابي ومن أي تخصص، غير مدركين دور التخصص في الممارسة الصحيحة للمهنة، لأنه في حال أيقن الشخص أن هناك من يراقب ويحلل ما يصدر عنه من سلوكيات، سيحرص أن يكون في المسار الصحيح أغلب الوقت، والحقيقة أن هناك كثير من السلوكيات والممارسات، والتي نراها عادية جدا، بينما المتخصص لديه القدرة على تقييم هذه الأفعال، ووضعها في الخانة التي تناسبها.