لوَّحت شركات الاتصالات برغبتها في تخفيض أجور المكالمات لكنها احتجت بممانعة هيئة الاتصالات، الهيئة من جانبها التزمت الصمت حتى هذه اللحظة، بعض الناس صدقوا أن الهيئة ضد التخفيض استنادا إلى صمتها، أما أنا فقد فهمت العكس، الهيئة موافقة والصمت علامة الرضا، هذا فضلا عن أن الهيئة ليس لديها أنظمة عقوبات كافية كما صرحت بذلك، فما الذي يمنع الشركات من التخفيض؟ الذي يمنعها من وجهة نظري عدم رغبتها في ذلك، فما لوحت به لا يعدو عن كونه استعراضا لدغدغة مشاعر الناس الذين تنفض جيوبهم بلا هوادة وبلا حماية فعلية لهم لا من الشركات نفسها ولا من هيئة الاتصالات الصامتة.
شركات الاتصالات نفسها لم تذعن لرغبة الهيئة في موضوع مجانية التجوال الدولي لبعض مشتركيها، هددت الهيئة وتوعدت وذهبت تهديداتها أدراج الرياح، وقد كانت الشركات على حق، حيث لم تستطع الهيئة آنذاك تقديم مبرر مقنع لرفضها مجانية التجوال ووقفت الصحافة في صف شركات الاتصالات، واضطرت الهيئة أن تصمت، الآن الهيئة لم ترفض ما لوحت به الشركات من رغبة في تخفيض أجور المكالمات ولم توافق فلماذا لا تبادر الشركات إن كانت صادقة وتخفض فعلا، ولن تستطيع الهيئة أن تمنعها، ولا أدري بأي مبرر يمكن أن تمنعها فنحن في سوق حرة وليس معقولاً أن أي شركة ستخفض بما يفضي إلى خسارتها لكنها قد تقلل أرباحها مرحليا لكسب المزيد من المشتركين وليس هناك ما يمنع لا منطقيا ولا نظاميا فيما أعتقد.
شركات الاتصالات لا تتلقى أي دعم مادي من الحكومة، وهيئة الاتصالات التي مهمتها الأساسية حماية المشتركين من تعسف الشركات لا تقوم بأي دور يذكر في هذا السبيل، بل إن الهيئة نفسها تشكو من عدم قدرتها على عدم محاسبة الشركات ومعاقبتها، ولا يدري المشتركون المتضررون من الشركات إلى أين يذهبون ومن ينصفهم ويعيد إليهم حقوقهم طالما أن الهيئة تعلن عجزها.
لقد أدركت شركات الاتصالات عجز الهيئة منذ زمن بعيد، ولذلك تتصرف كما يحلو لها، وأصبحت كلمة سأشتكي أفضل كلمة تسمعها أي شركة اتصالات من أي متضرر من خدماتها، لأنها تدرك أن شكاوى الناس لا مكان لها من الإعراب، ولا أثر لها في ما تريد أن تفعله وليس أمام المشتركين سوى الرضوخ والاستجابة لما تقضي به الشركات التي لا هم لها سوى أرباحها المليارية التي تتباهى بها كل ربع سنة.
لوحت الشركات بالتخفيض وهي لن تفعل، لكنها تذرعت بموقف الهيئة الرافض الذي لا يدري أحد أمام صمت الهيئة إن كانت فعلا ترفض أم أنها محتاسة لا تدري ما تفعل. ليت الهيئة تنتفض على عجزها هذه المرة وتعلن موافقتها لنرى مدى مصداقية الشركات، وتسجل الهيئة لنفسها موقفا إيجابيا واحدا في تاريخها لمصلحة جمهور وضحايا الاتصالات.