الهدف المنشود والنهائي لتحسين مؤشرات الجودة هو ضمان سلامة المرضى، ويجب الضغط على جميع المؤسسات واستبعادها من السوق الصحي، حكومية كانت أو خاصة، إن كان في وجودها خطر على سلامة أهلنا

تعتبر معايير الجودة بالمستشفيات هي الصمام الأساسي لتقديم وتقييم جودة وفعالية الخدمات الطبية بالمستشفيات، وهي تقوم على جملة من المؤشرات لقياس الأداء، مما يتيح للمتابع معرفة نقاط القوة والضعف ومن ثم تعديل الأخطاء والسير بالقافلة الصحية نحو المسار الصحيح، تاريخيا أول من استخدم هذا المفهوم ممرضة تدعى «فلورنس نايتنغيل» كانت تشرف على تقديم الرعاية الصحية بالمستشفيات العسكرية خلال حرب القرم، وذلك بإدخال معايير أداء بسيطة إلى عملها، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في عدد الوفيات في تلك المستشفيات، وفي سنة 1905 وضع فلكنسر معايير لكليات الطب في الولايات المتحدة الأميركية، ولكن تطبيق الجودة في نطاق الصحة بشكل مؤسساتي بدأ بإنشاء لجنة اعتماد المستشفيات الأميركية سنة 1952، وفي سنة 1970 بدأ العمل بالتدقيق الطبي، وظهر في سنة 1987 مفهوم إدارة الجودة الشاملة في الرعاية الطبية، تطورت المفاهيم بعدها بشكل سريع وأصبحت هناك معايير واضحة لتقييم التخصصات الصحية شاملة، وبدأ العديد من المؤسسات العالمية الاستثمار في مجال الجودة الطبية.
لكي نسهل الفكرة على الجميع فلن نستطيع تقييم أي أداء طبي أو غير طبي دون وجود أرقام ومؤشرات حقيقية للمقارنة، فمثلا في وحدة العناية الحرجة -على سبيل المثال لا الحصر- يهمنا نسبة الوفيات والالتهابات البكتيرية المكتسبة من المستشفيات ونسبة المرضى الذين يتم رجوعهم للعناية المركزة بعد إرسالهم منها، فالعنايات المركزة عالميا توجد فيها نسبة وفيات حتى 20%، ولكن حين نرى بعض المستشفيات تتخطى هذه الأرقام فذلك يدل على أن هناك خطأ ما يؤثر على سلامة المرضى، هناك العديد من المؤسسات العالمية (الربحية) التي تقوم بقياس مقدار الجودة منها للمستشفيات ومنها لتخصصات معينة، مثل المختبرات وبنوك الدم، وتشترك أغلبها في عراقة المسمى والخبرة الطويلة، وتختلف في طرق التطبيق والهدف المادي، وفقدت مؤخرا العديد من تلك المؤسسات مصداقيتها بالشرق الأوسط، لاعتماد التقييم على (الشيك الذهبي) وليس الأداء، ورأينا مستشفيات (تعرج) وأخرى (تحبو) تزين جدرانها تلك الشهادات التي أصبحت تنافس شهادات الماجستير والدكتوراه من نوعية (هلكوني)، حسب وصف المغرد الشهير الدكتور موافق الرويلي.
محليا ظهر المركز السعودي لاعتماد المنشآت الصحية بصورة احترافية مغايرة للنمط الذي عرفناه لأغلب المؤسسات المحلية، واستطاع في فترة وجيزة صنع اسم جيد محليا وخليجيا، رغم حروب (داحس والغبراء) ممن انكوى (بنيران) التقييم الصارم، سواء للمنشآت أو المتقدمين لكي يكونوا مُقَيّمِين معتمدين بالمركز، ولكي يستمر المركز السعودي بالتقدم محليا وإقليميا فعليه القيام بالآتي:
1- ضرورة استقلاليته وعدم ارتباطه بالمجلس الصحي، وذلك لتمكينه من تقييم واعتماد المنشآت الصحية بحيادية تامة وعدم التأثير عليه من الجهات التي يقع عليها التقييم ومراقبة الأداء. 2- ضرورة وأهمية تحوله لهيئة لتمكينه من العمل بمرونة أعلى. 3- زيادة عدد العاملين، فكلنا نعلم عن التوجه القريب لتقييم المراكز الصحية بالمملكة زيادة على المستشفيات، مما يشكل ضغطا هائلا على المركز، وهناك فرصة تاريخية للاستفادة من آلاف المبتعثين الباحثين عن وظائف جيدة. 4- الإسراع بإيجاد فروع للمركز بالمنطقة الغربية والشرقية وبقية المناطق الأخرى. 5- الحفاظ على الجودة العالية للمُقَيّمين، حيث إن التوسع السريع قد يضطر المركز لاستخدام مقيمين دون الجودة المطلوبة والخبرة اللازمة، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية في المستقبل القريب. 6- ما زالت آلية إعلان النتائج تحتاج أسابيع عدة، ومن المستحسن في نهاية التقييم أن تعلم المنشأة الصحية باجتيازها التقييم أم لا، ويكون الخطاب التقييمي الشامل بعد ذلك بعدة أسابيع. 7- الإعلان بشفافية عن نتائج جميع المستشفيات، ووضع موقع خاص لها وعدم اعتبارها (أسرارا نووية)، فالجيد يجب أن يكافأ والسيئ يجب أن يُعرف، فالفنادق عالميا لها تصنيف للجودة (حسب النجوم)، ولماذا لا يعلن ذلك للقطاع الصحي حسب أرقام الجودة الدقيقة، وهناك أمثلة عالمية مثل مقاطعة أونتاريو بكندا تقوم بالإعلان عن نسبة العدوى الناتجة بالمستشفيات على موقع الوزارة، وهناك مقارنة واضحة بين جميع مقدمي الخدمة الصحية. 8- يجب التعاون مع الهيئة السعودية لإصدار ملف خاص لتقييم جودة التعليم الطبي بالمنشآت، فالتعليم الطبي بالقطاع الخاص أو الحكومي لهو ركيزة وليس اختيارا من قبل المنشأة.
الهدف المنشود والنهائي لتحسين مؤشرات الجودة هو ضمان سلامة المرضى، ويجب الضغط على جميع مؤسسات (طقها والحقها)، واستبعادها من السوق الصحي، حكومية كانت أو خاصة، إن كان في وجودها خطر على سلامة أهلنا وأبنائنا.