إن الوضع بالنسبة لمعظم السكان الإيرانيين رديء للغاية، إذ تبين الدراسة الاستقصائية السنوية لمستويات المعيشة في البلاد، أن المؤشرات ذات الصلة ما تزال أكثر من 10% أسوأ مما كانت عليه قبل عقد من الزمن.
فالبطالة والتضخم آخذان في الازدياد، مع تركز الزيادات في الأسعار في السلع الأساسية مثل الخبز، الذي شهد مؤخرا أول زيادة له خلال 3 سنوات، إذ ارتفع سعره 15%.
وفي المقابل، تبرز مسألتان مهمتان فيما يخص تأثير الوضع الاقتصادي على الاحتجاجات. المسألة الأولى: هي تكلفة الأعمال المُخلة بالاستقرار التي تمارسها إيران في الخارج. وإذا أردنا الكلام بالأرقام المُطلقة، يبدو إنفاق النظام الإيراني في هذا الصدد كبيرا بالمقارنة مع حجم الاقتصاد. وقد ذكر مسؤولون أميركيون أن النظام ينفق حوالي 7 مليارات دولار سنويا على تلك الأعمال، وهذا المبلغ يُصرف معظمه على دعم النظام السوري، وتمويل مختلف الجماعات الإرهابية. كما يشير هؤلاء المسؤولون أيضا إلى نفقات تصل إلى ملياري دولار في مجال الأنشطة الصاروخية والنووية.
أما التكاليف غير المباشرة للمغامرة الإقليمية، فهي أعلى من ذلك، وتخصص ميزانية إيران لعام 2018 نحو 12 مليار دولار للنفقات العسكرية التي لن تكون هناك حاجة إلى كثير منها إذا كان النظام أقل عدوانية.
المسألة الثانية: هي تداعي النظام المصرفي الإيراني. فوفقا لخطاب الرئيس عن الميزانية في 10 ديسمبر، فإن 6 «مؤسسات احتيالية» تستحوذ حاليا على نحو 25% من سوق المال. وترتبط كثير من هذه المؤسسات الائتمانية المُقرضة بـ«الحرس الثوري» الإيراني. وهي تدفع أسعار فائدة مرتفعة على الودائع، وتفرض أسعار فائدة فاحشة على القروض، يصل بعضها إلى 35%. وقد مُنيت كثير من تلك المؤسسات بالخسارة خلال نوفمبر الماضي، بينما تفتقر إيران إلى أي نظام تأمين على الودائع.
ويمكن أن يكون للعوامل الديموجرافية أهميتها أيضا. فحركات الاحتجاج مدفوعة عموما من الشباب، ويشير الباحثون إلى أن الثورات تحدث على الأرجح في الأماكن التي يتدنى فيها متوسط العمر عن 26 عاما. ولكن سكان إيران يهرمون، بينما يبلغ متوسط العمر فيها 31 عاما، وهو أكبر بـ10 سنوات منه في العراق.
وعلاوة على ذلك، يُعدّ نظام الجمهورية الإسلامية نظاما إيديولوجيا، وتُظهر الاحتجاجات أن قلوب الناس وعقولهم ربما تكون قد ابتعدت عن الإيديولوجية الثورية.
ويشير كثير من المُعلقين الإيرانيين إلى أن البلاد اليوم تشبه الاتحاد السوفيتي أيام ليونيد بريجنيف، أي أن الناس يمارسون العادات الإيديولوجية دون قناعة.
والأمر المُعبِّر هو أن النظام استغرق أسبوعا كاملا لحشد تظاهرات مضادة، وهي فترة طويلة بالمقارنة مع الأحداث السابقة، مما يوحي بأن القيادة لم تكن واثقة من قدرتها على استحثاث تظاهرات موالية للنظام.
پاتريك كلاوسون*
*زميل أقدم في زمالة «مورنينج ستار» ومدير الأبحاث في (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط) - الأميركي