في العالم الافتراضي، نحن بحاجة إلى إصلاح فكري وثقافي للمزاوجة العملية بين التدين والأخلاق، لنصل إلى مفهوم الخيرية الحقيقية

نحن مجتمع إشاعاته كثيرة، تطل علينا الفترة تلو الأخرى كثير من الأخبار لتختبرنا، لتدرس ردود أفعالنا، أصبحنا للأسف نصدق أي شيء، اتخذت الإشاعة مكانها الأقوى في حياتنا، وأصبحت تسيّر أمورنا، وتنصبغ بها قراراتنا، في ظل غياب أي جهد شخصي للتحقق.
«تويتر» مثلا، هو الموقع الأول عند السعوديين، وهو أداة نقل الأخبار الأقوى، وفي  الحال ذاتها أصبح أداة لنشر الإشاعات الأقوى كذلك، فتطفو أحيانا حلقات تعذيب للآخرين، ولو بإلحاق قصص كاذبة عنهم، إذ تبدأ سلسلة استهزاء وسخرية بالضحية حتى يصبح مجرد الاطلاع على مجرياتها مؤلما، فكيف بمعايشة أحداثها؟
قبل أيام، تناقلت? مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، تظهر فيه سيدة ترقص في مكان مختلط، الإشاعة هنا أن المقطع المفبرك نسب في مواقع التواصل الاجتماعي إلى إحدى السيدات الفاضلات في مجلس الشورى!
السؤال: كيف لنا كبشر متحضرين أن ننعم بهذه الحرية في وسائل التواصل الاجتماعي، ونجعل منها في الوقت ذاته منصة للاستهزاء والقذف ونشر الأخبار الكاذبة والملفقة؟
ما هذا التناقض؟
أصبحنا نعيش في العالم الافتراضي بوجهين: وجهٌ للتدين، وآخر للقذف والشتم ونشر الأخبار الكاذبة! ولكن لِمَ نعيش حياتين؟ لِمَ نحيا بانفصام حاد بين ما نقول وما نفعل، بين ما نؤمن وما نظهر؟
من الأهمية بمكان النظر في العلاقة بين التدين والأخلاق، والتي تبدو أحيانا وكأنها علاقة عكسية في مجراها، مع أنها في الأصل تسير دائما جنبا إلى جنب، من الملاحظ أن المجتمعات التي تركز على تدينها وتمعن في إعلانه، يتراجع فيها مستوى التمسك بالأخلاق أو الانضباط الضمائري.
لا أعتقد أن لهذه الظاهرة علاقة مباشرة بنوعية الدين أو تعاليمه، فالأديان السماوية كلها تحث على الأخلاق، ولكن تنامي هذه الظاهرة يتولد من الشعور بأمان أبدي، وأفضلية بشرية تجعل من التدين وسيلة تبرير لكثير من الأفعال اللاأخلاقية.
فالإنسان المتدين، أيّا كان دينه، ينغمس في شعور بوصوله إلى الحق المطلق، وباعتلائه منصة الأفضلية بين أنواع البشر. تلاحظ هذه الظاهرة في القرون الوسطى المظلمة عند المسيحيين في أوروبا، إذ انغمست في حياة لا أخلاقية، وانتهاكات بشرية، وظلم وقتل واستبداد، ارتكازا على حماية الكنيسة وغفرانها الذنوب.
وكذا فعلت اليهودية في مجتمعاتها التي أعلت الفرد اليهودي وأعلنته «مختارا» بين البشرية، فمهما كثرت أخطاؤه وعلا استبداده، ستأتيه المغفرة، وسينال رحمة وثوابا أبديا. وكذلك نحن المسلمين، ترتخي عضلاتنا الأخلاقية اعتمادا على تدين قشري يضعنا في دائرة الأمان، ويعفينا من التفكير والحكم على الأمور الأخلاقية، وكأن العضوية في حد ذاتها تصرّف أخلاقي يكفي للحماية والإثابة.
ما هذه الازدواجية الغريبة بين ادعاء التدين وبين ممارسات الناس حياتهم اليومية؟ ولربما هو هذا الادعاء الذي يشكل هذه الحياة، والذي يظهر بقوة في العالم الافتراضي. فجأة تنفصل حياتهم عن كل المثاليات التي يبشرون بها، الصدق، الأمانة، الشرف.. وغيرها، إذ تجدها جميعا تنتهك وبشكل يومي وطبيعي، وكأن هذا النفاق الحياتي جزء طبيعي ومتوقع لا يتجزأ من الحياة اليومية.
وحتى لا يتحول العار إلى صناعة، كما هو الحال في العالم الافتراضي، نحن بحاجة إلى إصلاح فكري وثقافي للمزاوجة العملية بين التدين والأخلاق، لنصل إلى مفهوم الخيرية الحقيقية.
أخيرا أقول: سيدة الشورى تظل سيدة فاضلة رغم أنوف التويتريين.