لقد تغيرت كثير من المفاهيم والعادات السائدة التي شكلت -ولعقود طويلة- ثقافة استهلاكية، كانت وما تزال جزءا مهما من أنماط حياتنا.
وتطور العالم في تقدمه المطرد هذا، باحثا عن بيئة تخلو من التلوث المتزايد، والذي انعكس سلبا على كوكبنا بعنصريه: الطبيعة والإنسان.
وهو -كما يبدو- سيترك آثاره على الاقتصاد، خلال تغيُّر أنماط الاستهلاك التدريجي العالمي نحو الطاقة البديلة، ولأسباب بيئية واقتصادية، وبات تحدّيا مستقبليا لاقتصادات بعض الدول المنتجة لها، خصوصا تلك التي تتصف بأنماط استهلاكية عالية، إذ تميل فيها كفة الواردات على الصادرات، لتشكل معظم أنماط استهلاكها من سلع وخدمات، وهو ما سبب خللا كبيرا في ميزان مدفوعاتها، وانعكس سلبا على قوة اقتصاداتها مستقبلا، وبات يمثل شكلا أحاديا سلبيا في ميزانها التجاري، ليدفع بها بعيدا عن التنوع في ناتجها ودخلها القومي.
لقد وَعَتْ ذلك -ومبكرا- بعض الدول العربية، وأولت اهتماما خاصا لتلافي تداعيات هذا التحدي في تغير أنماط الاستهلاك العالمي للطاقة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، وأدركت الحاجة إلى بناء مشروع اقتصاد متنوع ومتعدد في مصادر دخلها القومي، وهي مهمة وطنية وبامتياز، وغاية صعبة المنال، تحتاج إلى تجرد وشعور وطني يتسمان بالقوة لاجتياز العقبات، وهو مقوّم وركيزة أساسية في مفهوم قيام وبناء الدولة الوطنية الحديثة، لمواجهة واقع يدعو إلى التغير والتنوع، يفرض نفسه، وهي معادلة من الصعوبة بمكان تحقيقها اليوم، وتحتاج الى إرادة ورؤية وكثير من التحمل والصبر، فالعالم بات سوقا كبيرة داخل منظومة المنافسة المتوحشة والمتصاعدة في كسب الأسواق وجذب الاستثمار، وما أطلق عليها اصطلاحا «الحروب الاقتصادية»، وهو مما أدى وبالنتيجة إلى تغيير كثير من الأنظمة السياسية التقليدية حولنا، وحسب الحاجة المتغيرة لتحقيق أهداف قوى عالمية، بما فيها تمويل حركات التمرد والحروب الأهلية، والتي باتت تسمى «الحروب بالإنابة».
كنت وما أزال من المتابعين الجيدين -ولعقود مضت- نهج المملكة في خلق صناعات مهمة وفي مختلف المجالات، دخلت بها منافسا قويا في الأسواق الخارجية.
اليوم، المملكة تكمل هذا المشوار، وفي سباق نوعي مع الزمن، خلال تبنيها رؤى موضوعية للتسلق والصعود نحو آفاق مستقبلية طموحة، لا تغيب عنها متطلبات رؤية إقليمية ودولية، لتكون أكثر شمولية، وكان من بين خطواتها سياسة التجديد لخلق اقتصاد متنوع، ومحاربة الفساد، يتطلع إليها السعوديون بترقب وإعجاب، خلال يقين بأنها المدخل الحقيقي نحو تقوية وترسيخ مفهوم دعائم الدولة الوطنية الحديثة التي تمتلك وتواكب أدوات عصرها.
وعلى الجانب المقابل من البحر الأحمر، نتابع جمهورية مصر العربية، ورغم كل المخاضات والظروف الصعبة التي واجهتها وما تزال، باتت تقف على أعتاب مرحلة جديد من الإصلاح، وتسير فيها بخطوات كبيرة وثابتة، بدأتها منذ أكثر من 3 سنوات، رغم كل الإرهاب الأسود الذي يحاول جاهدا إيقاف هذه المسيرة، أو إبطاء وتيرة تقدمها، ولكنه كما يبدو أنه فشل في ذلك أمام إرادة شعب لا تلين.
مما يبدو لنا وبيقين، أن السعودية ومصر هما جناحا هذه الأمة، ويحملان جسدها الممتد شرقا وغربا، وبكل ما يمثله موقعهما من بعد جيوسياسي خطير ومهم، يَعيان جيدا أهميته وتأثيره على الإقليم والعالم.
من هذا كله، وحين نستعرض أحوالنا، ربما يرى البعض صورة ومستقبلا رماديا، تتضاءل فيه الآمال، وهذا هو المطلوب والمفروض تحقيقه وإثباته وتكريسه في وعينا وثقافتنا، ولكنه ليس مجمل الصورة الحقيقية، بل هي الصورة التي يريدوننا أن نراها ونرى العالم خلالها، ومن يعتقد بذلك ويصدقه ويسلّم به، فهو مخطئ بشكل مأساوي، وهو مفهوم تم تكريسه خلال السيطرة على الوعي -وعبر عقود- لإحباطنا وتسليمنا بأمر هو ليس واقعا حقيقيا بالمجمل، وفيما يتعلق بمقدراتنا ووجودنا، كل الذين سلّموا بهذا الواقع حولنا هم الذين أوصلوا بلادهم إلى
ما نحن عليه ونراه من فوضى حولنا.
لا بد لنا أن نعلم ونعي وندرك الأهمية الخطيرة لما هو بين أيدينا ونملكه، وخطورة وأهمية تأثيره كحاجة وقيمة على حياة الآخرين حولنا في الإقليم والعالم، كثروة بشرية وموقع إستراتيجي، وما نمتلكه من ثروات، فالحياة -وببساطة- هي تبادل بيني للمنفعة، وليست معادلة أحادية الجانب -كما يريدونها- حتى ولو خلال القوة.
لا بد أن نَعُدَّ على أصابعنا ما نملكه، وما نحن عليه قادرون، ونحرص عليه وعلى كيفية استثماره، سياسيا واقتصاديا، كي نعلم ونعي خطورة وقيمة ما نمتلكه وبين أيدينا، وما نقايضه به وخلاله.
أيضا، لا بد لنا من إعلاء التجارب الناجحة حولنا، لنظهرها ونحللها، ونستكشف مكامن قوتها ونقاط ضعفها خلال التجريب، لتصحيح المسار، ولنتعلم المنهجية في التفكير والتنظيم خلال الارتقاء بمدارك الوعي، كي يبقى الأمل طريقا متاحا نرسم ملامحه، فلم يعد هناك فسحة من الوقت للبقاء طويلا -كما تعود البعض- على مقاعد المتفرجين.