تمثيل عمل المرأة وقيادتها بشكل جيد إعلاميا وثقافيا وشعبيا أمر يعزز من فرصة تحقيق الأهداف الاقتصادية لعملها، ويقلل من المشاحنات بينها وبين المرأة غير العاملة
تقول الروائية الشهيرة «اليف شافاق» إن والدتها كانت امرأة عصرية متعلمة مهنية وناشطة، بينما جدتها كانت تقليدية بسيطة، وتؤمن بكثير من الخرافات والأوهام، كانت الاثنتان ترتديان ملابس مختلفة، وتملكان أفكارا وتجارب وآراء متضاربة. ولكن، مع ذلك، فإن كلتا الاثنتين دعمتا بعضهن البعض، وحافظت الأم والابنة على علاقتهما الدافئة، وتمكنتا رغم صعوبة إيجاد عوامل مشتركة من بناء صداقة ورفقة طويلة. تعيد الروائية ذلك إلى العلاقة الأخوية والتضامنية التي يفترض أن تنشأ بين أي امرأة وأخرى مهما تباينت التوجهات بينهما.
تضيف «اليف شافاق» بأسف، أنه اليوم أصبح من الصعب جداً على المرأة العصرية أن تبني صداقة من هذا النوع مع المرأة التقليدية حتى لو كانت بينهما روابط عائلية، والسبب ليس في الاختلاف بذاته، ولكن في اللغة الإعلامية والثقافية والسياسية العدائية التي تستخدم ضد كلا النوعين من أنماط الحياة التي يخترنها النساء، ولكن خصوصا تجاه نمط الحياة المهني الذي تختاره المرأة العاملة. تشير الروائية أيضا إلى أن مثل هذه التفرقة بين امرأة وأخرى، والتصنيفات الموجهة للمرأة العاملة وغير العاملة، العصرية والتقليدية، تعزز الانتقاص من المرأة بشكل عام. حيث باتت بين المرأة والأخرى حواجز ثقافية وإيدولوجية وسياسية لا يمكن تجاوزها، وبقاؤها لا يفيد إلا بعض التوجهات المتطرفة، ذلك أن اتحاد المرأة التقليدية مع العصرية، والعاملة مع غير العاملة، أمر يعكر صفو تصنيفاتهم المستخدمة لقولبة النساء وتنميطهن.
هذه المقاربة النسوية التي قدّمتها «اليف شافاق» تعيدنا إلى فكرة التنوع ودوره وتوظيفه إعلاميا وثقافيا لخدمة المصلحة العامة. يفترض -معياريا- أن يسهم الخطاب الإعلامي والثقافي وحتى السياسي في مساعدة الناس لتقبل بعضهم البعض بما في ذلك سد الفجوة التي بنيت بين المرأة العاملة وغير العاملة، والمرأة العصرية والتقليدية.
الجدير بالذكر أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يتم ذلك الأمر طالما مازال لدينا خطاب متداول يراد منه الاستفزاز مثل «ارجعي المطبخ» أو «مكانك البيت»، وصور إعلامية شعبية تغرس فكرة أن المرأة أقل من الرجل في القدرات والأهلية والاستحقاق والإقدام على العمل، أو أن المرأة العاملة أقل مقدرة في بناء أسرة وتكوين عائلة من غير العاملة.
والأمر الأكثر غرابة هو أن مثل هذه الخطابات والممارسات ضد المرأة المهنية والعاملة تشاهد في إقليم شرق أوسطي يملك أسوأ معدلات تمكين للمرأة على مستوى العالم أجمع، وفقا لمجلة فوربس. تزيد مثل هذه الخطابات من حدة الإشكالية بين المرأة العاملة والتقليدية من جهة، ومن جهة أخرى فهي تضير بالبلد واقتصاده وسياسته على المدى الأبعد. إن دولا متقدمة في أميركا وأوروبا من التي تولي اهتماما بالاقتصاد والتنمية تجاوزت قضية المرأة العاملة وغير العاملة إلى قضية المرأة العاملة والمرأة القائدة، حيث تقول رئيسة وزراء ألمانيا «إنجيلا ميركل»: «نسبة النساء في المناصب القيادية لا تنمو بالشكل المطلوب، ولذلك فإن الحل الوحيد هو فرض حد أدنى قانونيا على المؤسسات والشركات تلتزم به لتوظف المرأة في مناصب عليا. مثل هذه الحلول ليست اختيارية، بل هدف وضرورة اقتصادية».
ولعلي أضيف على «إنجيلا ميركل» أن تمثيل عمل المرأة وقيادتها بشكل جيد إعلاميا وثقافيا وشعبيا أمر يعزز من فرصة تحقيق الأهداف الاقتصادية لعملها، ويقلل من المشاحنات بينها وبين المرأة غير العاملة.