عمر العمري

زود الله الإنسان بأنواع من الدوافع والانفعالات التي إذا أحسن الإنسان توجيهها واستثمارها تؤدي إلى خير الفرد والجماعة على حد سواء، ولكن إذا ترك الإنسان أهواءه الدنيئة تحرك رغباته فمن المؤكد أنها ستقوده إلى الانحراف بعيدا عن مسالك الفطرة البشرية السليمة، ومن ثم كان من رحمة الله -عز وجل- أن أرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل الكتاب والميزان والشرائع وحد الحدود، ليكون في ذلك ضمان لاستقامة السلوك والإنسان وحفاظ على حقوق الآخرين، وتوفير لطاقات الإنسان حتى تكون موجهة إلى خير نفسه وذاته ثم أسرته ومجتمعه.
فالإنسان منذ بداية علاقته بالطبيعة وفي تعامله مع البيئة عرف العنف كأحد الأساليب التي يتعامل بها مع محيطه وبيئته، بقطع الأشجار ليستفيد منها أو حرقها للتدفئة وإنضاج الطعام، وبالتالي استنزاف للموارد الطبيعية وإنتاج الملوثات المختلفة المائية أو الهوائية، وغيرها من أشكال العنف البيئي، سواء أكان هدفه من وراء هذا العنف هو الرغبة في البقاء أو فرض سيطرته وشعوره بالقوة، حتى وإن كان على حساب تدمير مصادر الطبيعة التي تهدد وجود كيانه بدرجة الأولى في حال تلوثها أو حدوث خلل في النظام البيئي لا قدر الله.
ولا شك أن هذه الظاهرة لها انعكاساتها المجتمعية والبيئية، فهي بالإضافة إلى تهديداتها لمنجزات الإنسان المادية والاجتماعية، وبالتالي شعوره الأمني الذي يعتبر في مقدمة الاحتياجات الأساسية للأفراد والمجتمعات على وجه عام.
ولا شك أن ما يشهده الشباب في كافة المجتمعات من تيارات فكرية عنيفة ومنظمة وثقافات وافدة من الغرب أو من دول الصراع غريبة شاذة مليئة بالقسوة والعنف، تحاول أن تشده إليها وتستقطبه في صفوفها لتبدأ سكة التطرف والإرهاب والضياع والهروب إلى الخيالات في صورة إدمان أو بالهجرة من أوطانهم هربا أو يأسا أو التخلص من الحياة ذاتها نتيجة إحساسهم بالعجز تجاه مجتمع لم يتفهمهم، وتجاه ظروف لم يستطيعوا التغلب عليها، ليتربص بهم، فالخفاء خفافيش الظلام.. هدفهم هذه الفئات.. يحرضونهم.. ويستثمرونهم.. ويدبرونهم.. ويوجهونهم لاختراق المجتمع، وعلى وجه التحديد الأمن الوطني.
إن بذور العنف تزرع بين الصغار في المدارس، أي أن المدارس التي يفترض أنها مهد التربية ومحاضن التعليم قد تصبح بيئة خصبة لنمو العنف في نفوس الطلبة، كم سمعنا من حالات اعتداء على المدرسين والمعلمين، أو حالات عنف بين الطلاب أثناء خروجهم من المدرسة وغيرها مما تستدعي معالجات تربوية عاجلة.
إن ما يعنينا هو الغوص في العنف كإشكالية ينتجها المجتمع والبحث في كيفية السلوك العنيف وآثاره، ولا ننسى الآلة الإعلامية الضخمة بكافة مستوياتها التقليدية والإعلام الجديد وما تحويه من منصات غير منضبطة وغير معروفة المصدر أو الموقع الجغرافي لها، وما تبثه من بيانات ومعلومات، وبالتالي ما يصدر عنها يمكن أن يصبح عنصر بناء وعنصر تقويض في آن واحد، فهي قد تخلق قيما واتجاهات جديدة بالنسبة للأشخاص الذين لم تتبلور قيمهم واتجاهاتهم، وعنصر دعم وتقوية أيضا للقيم والميول موجودة فعلا بالنسبة للأشخاص الذين يتمتعون باستعدادات معينة لقبول التغير أو إضافة مفاهيم جديدة، وفي نفس الوقت وهذا الأخطر قد تكون سببا في هدم وتقويض للكثير من القيم والعادات الحميدة والمثل السامية، وبالتالي الانحراف عن المسلك الإنساني كما ذكرنا آنفا، فلماذا كل هذا العنف في الوسائل الإعلامية المختلفة والأفلام وألعاب الفيديو؟.. وما المبررات لهذا الكم الوافر من مشاهد العنف والقسوة والإجرام؟.. وما الآثار المترتبة على ذلك؟