اُفتُتح مشروع واجهة جدة البحرية عصر الأربعاء الماضي 29 نوفمبر 2017، فجر اليوم التالي ذهبت لزيارة المكان، كان ساحرا بمعنى الكلمة، قلت كالآخرين بمثل هذا المشروع الرائق لن يفكر كثيرون في تكبد عناء الأسفار، بوسع هذا البلد أن يكون فوق التوقع، أن يدهش الجميع. لن تصدق أنك في السعودية. وأيضا قلت كالآخرين عسى هذه المساحة النموذجية تسلم من العبث.
ماذا حدث؟ خلال الأسبوع الأول -لا أكثر- انهالت الصور ومقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل، تنقل الحال المزري الذي صار عليه المشروع النموذج على يد بعض الزوار، وبعد 10 أيام فقط كانت الجهات المختصة تعلن عن القبض على 25 شخصا رصدتهم كاميرات المراقبة، قاموا بتخريب الواجهة ومرافقها، والبحث جار عن آخرين.
ما الحل؟ هل يلزم أن تنفق مليارات الريالات لتغطية كل شبر في هذه البلد بالكاميرات، كي تحمي المرافق العامة، وكي تحمي الناس من بعضهم قبل ذلك؟ هذا ليس ممكنا، وحتى لو أمكن، أليس الأفضل أن تؤهل الناس، عوضا عن مراقبتهم؟
هذا ليس اقتراحا، بل طلب ورجاء وأمل: إن على وزارة التعليم أن تشرع فورا في إقرار مادة الأخلاق والتحضر، تدرس للطلبة من الأول ابتدائي، وحتى الثالث الثانوي، ويتم تقويمهم واختبارهم فيها، يقوم على إعداد مناهجها مختصون في التربية، وباحثون في علوم الاجتماع والنفس وغيرهم، ترفع حصانة الطلبة الأخلاقية، وتعمد إلى تعليمهم وتعويدهم على السلوك المتحضر، ابتداءً من طريقة إلقاء التحية، وطريقة الأكل والشرب والجلوس، وقواعد الاحترام والتعامل مع الآخرين، وصولا إلى سلوكيات الأماكن العامة، بما في ذلك المحافظة عليها. هذا ما تفعله بلدان مثل اليابان، التي تعدّ الأخلاق والعمل سر معجزتها، بحسب نوبواكي نوتوهارا في «العرب وجهة نظر يابانية»، وهما أيضا  -أي الأخلاق والعمل- سر تخلف العرب وفوضاهم وتأخرهم.
وأرجو ألا يأتي أحد ويقول: إن هذا مكفول في مواد الدين، لأن هذه مغالطة لا تستحق حتى الالتفات، فالأخلاق صارت مبحثا وعلما مستقلا وقائما بحد ذاته، وفصلها عن الدين والتدين ضرورة حضارية واجتماعية وتنموية.
وبالمناسبة، فإن المجتمع -ومنذ قيام التعليم، وعبر عقود وعقود، وفوقها عشرات الآلاف من خطب الجمعة الأسبوعية- وهو يُحشَى بالوعظ، ومع ذلك اُنظر مليّا إلى قصص الفساد والجريمة، اُنظر إلى الحدائق والمتنزهات والطرقات، واُنظر إلى مسائل جوهرية في علاقات الناس ببعضهم، كالاحترام وقبول الآخرين وثقافاتهم ومعتقداتهم.
نحن بصدد بناء بلدٍ قوي ومنتج ومشارك في حضارة العالم، ومن المهم أن يكون إنسان هذه البلاد هو مشروع بنائها الأول، إذ لا معنى للمدن الصناعية والذكية، لا جدوى من البنايات والطرقات والواجهات الحديثة، والإنسان متأخر وغائب وهامشي، ويعيش في فكرة بالية وزمن آخر.
أعيد ألف مرة: مادة التحضر والأخلاق.