وفاء الغامدي

خطفتني عبارة هذا الشاب الملتحي، الذي يضع رؤية جديدة بسند قديم، ويرسم خططا، ويخطط لمشاريع على كل الأصعدة، والاستبشار كبير، لكن جملته انتشلتني من كل هذا.
نعم نعود والعود أحمد..
للثبات على القيم، واحترام الآخر -أيًّا كان مذهبه وعقيدته ولونه وهيئته وأصوله- للتأثير التلقائي بعمق، لإثارة الدهشة والتساؤلات وإبهار العالم من حولنا، نعود لنكون كما كنا دائما قادة للبشرية، ورسلا للسلام، وبناة للفضيلة في كل مكان نصل إليه، مهاجرين وفاتحين وعلماء وتجار.
في الخطاب العالمي الذي وجّهه سيدنا وشفيعنا وإمامنا وقائدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في أول خطبة يلقيها عند دخول المدينة المنورة خطب فيهم بقوله: «أيها الناس...».
كان خطابا عالميا لم يحدد فئة أو جماعة، يجوب الآفاق ليؤسس لبناء المجتمع المدني المتمدن المتحضر، ويضع لبنة السور الشاهق السمو والرفعة لصيانة الأفراد والمجتمعات، وإرساء أمر الحصانة الذاتية الآمنة الواعية، المدركة لحيوية العلاقات بين الناس والشعوب والأمم، وضبطها بضوابط السلام وحسن المعشر والجوار، فبدأ خطابه الكوني بـ«أفشوا السلام»!
كما أنه في هذا الخطاب الأممي رسّخ فكرة الشراكة المجتمعية، وقدمها في أعظم صورها، وهي إطعام الطعام، حيث المشاركة تأخذ شكل الود واللطف والمسؤولية في تقاسم الزاد الذي هو حاجة أساسية من حوائج الإنسانية الفسيولوجية والحيوية، ونحن شركاء في هذا الاحتياج المُلحّ لنا، ولذلك دعا إليه نبي الرحمة بعد إفشاء السلام، فقال: وأطعموا الطعام، فلا يمكن لأحد أن يهنأ بطعام ومن حوله جياع، ولا ينبغي أن يوجد بين المنعمين بالشبع ووفرة الأطعمة من يتضور جوعا، ثم ترك أمر العلاقة مع الله سرا مقدسا بين العباد وربهم، تلك العلاقة الوثيقة الصلة، والتي يخلو فيها المرء بربه بعيدا عن أعين المراقبين وترصد المترقبين، نائيا بها عن إحسان الظن أو إساءته، فهي سر القلوب التي اتصلت بالله، فهداهم بهداية ربه للصلاة والناس نيام.
نعم، كانت هذه قواعد الانفتاح على الآخر، سلاما ومشاركة وارتقاء روحيا، وسموا ذاتيا بالنفس، باتصالها بخالقها بشكل خاص وسري، له قداسة المتبتلين والمتحنثين.
في عصور الإسلام الذهبية، كان منهجنا هو هذا المنهج المباشر، اليسير، الممكن، لاكتساح العالم وإبهاره، ولفت نظر القلوب قبل الأبصار لكل من يعيش بهذا الدستور السماوي، والمنهاج الشرعي والناموس الكوني.
انطفأ بريق المسلمين حين ابتعدوا عن روح الإسلام، وأصبحوا مسلمين هويةً لا سلوكًا وعملا، لكن نورانية الإسلام لم تنطفئ، ولن يبهت بريقه، فهو دريُّ الرسالة، وكل من تمثل به -كما هو وليس كما يهوى- سيكون وهّاجا ساطع النور لافت الإشراق.
حين قال محمد بن سلمان: «نحن فقط عدنا كما كنا»، أخذني إلى أمجاد أمتنا الإسلامية لعلومها، وتاريخها، وأدبها، وآدابها، أخذني حيث الإنسان محفوظ الكرامة لكونه إنسانا وليس لأي اعتبارات أخرى.
هذا الإنسان خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، فأي كرامة له، وأي تكريم يناله!
أخذني.. حيث القيمة للعلم والأخلاق والفضيلة والعمل الجاد لعمارة الأرض التي استخلفنا الله فيها، وليس لنصب مقصلة الحساب قبل يوم القيامة، وتنصيب ذواتنا الضعيفة للحكم على أمثالنا من الناس، وممارسة الظلم والاستبداد والاستعباد.
لنترك بياض القلوب ونقاءها لله، فهو وحده المطلع عليها، فأمير المؤمنين الفاروق، ابن الخطاب عمر، كان يقول: إنما أحكم بالظاهر، وعلى الله السرائر، وهو الذي كان يفر الشيطان من طريقه، وأحد المبشرين بالجنة، وقد خط الدمع في وجهه خطين أسودين لكثرة بكائه، ومع هذا لم يعط نفسه حق الحكم على ما خفي من نفوس البشر، وما تحمله قلوبهم من تقوى وإخلاص، وتركَ سلوكهم وظاهرهم هو الفيصل بينه وبينهم.