هناك غصة تكبر في حلوقنا، كلما شاهدنا هذا الناعق وأمثاله يتجرؤون علينا سبا وشتما وإخراجا من الملة دون أن يكون لدينا وسيلة قوية نستطيع بها دحره ليقف عند حده
إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تمثل المساحة الحرة المتاحة أمام الكثير ممن لا يجدون وسيلة تستطيع إيصال معاناتهم أو آمالهم إلى أبعد مدى وأكبر شريحة من المتابعين لهذه المواقع، فهي أيضا كانت الوسيلة الناجعة للعديد من التنظيمات الإرهابية والشخصيات المتطرفة أو المريضة بتصنيف البشر وعقائدهم والإساءة إليهم دون وجه حق، وتنظيما القاعدة وداعش وغيرهما دلائل حية أمامنا، حيث استطاعا من خلال هذا الموقع تشكيل نفسيهما وتجنيد الأتباع، بل وإرسال شيفرات الموت والتفجير إلى مجرميها عبر هذه المساحات التي باتت تتغلغل في أقصى صحارى العالم وكهوفه.
غير أن اتفاق دول العالم أجمع على وجهة نظر واحدة، هي تجريم هذه التنظيمات والتحذير من مغبة ترك الحرية لها لاستغلال هذه القنوات في تنفيذ مخططها ونشر الإرهاب والدمار في كل جزء تصل إليه، ساعد في عملية ملاحقة هذه التنظيمات والقضاء عليها، والحملة الأخيرة لتصفية داعش وأتباعه كانت نتاجا جيدا لهذه التحالفات، فقد أثمر استشعارها للخطر عن عمل رائع تمثل في القضاء وبنسبة كبيرة على تنظيم أو مجموعة وصل بها الأمر أن أسست لها دولة وإن اختلفت الآراء في فترة سابقة حول صعوبة القضاء عليها أو إمكانية ذلك إلا أن الزمن كان كفيلا بالإجابة الحاسمة، وهذا مؤشر قوي يدعونا إلى التفاؤل، خصوصا من يتعرض منا «سواء الأفراد أو الجماعات» للسب والشتم والتكفير عبر هذه المواقع من قبل نماذج مبتلاة بالحقد والكراهية للإنسانية جمعاء، بأن مصيرها سيكون كمصير من تدين لهم بالولاء والتأييد في الخفاء والعلن، وهي في الحقيقة من فلول تلك الجماعات البائدة، وإن لم تكن من حاملي العتاد فهي حاملة للفكر المسموم، والذي تنفثه كل يوم في تحدّ صارخ لتوجه المسؤولين في الدولة بالتصدي لمثل هؤلاء المتطرفين الذين يسعون إلى تأجيج الصراعات الطائفية داخل البلد، ولن نقول في هذا الوقت الذي نحتاج فيه إلى التلاحم والتآخي في ظل الظروف السائدة، بل نحتاجه ليكون نهج حياة مستقبليا نبدأ فيه مرحلة من التطور والتعايش السلمي، والذي يعتبر حقا لكل مواطن ينتمي إلى هذا البلد، وهذا يتعاكس مع أهداف أولئك الناعقين بالفتنة ليل نهار، هم يكرسون جهدهم لتقويض أي عمل من شأنه توحيد الصف.
ما يعد مؤلما أن من يتعرض من قبل هؤلاء للتشويه هم فئات محددة تختلف عنها نهجا أو فكرا، وبحكم أنها محكومة بالأقلية فهذا يحفزها للاستمرارية في عملية الاستفزاز لأنها تراها ضعيفة ولن تستطيع المطالبة بحقها، وهذه حقيقة فالفكرة السائدة أن الأكثرية دائما هي المسيطرة، وهي من تجد حولها من يبارك أفعالها دون أن يخطئ أيا منها، أيضا عدم وجود رادع قوي يحجم تلك الفئة جعلها تستمر، بل وتراقب المشهد وهي في حالة تأهب فإن لمست ثمة تقارب بين فئات المجتمع ظهرت من جديد مختلقة مواضيع وتهما مللنا من إثارتها أو حتى الوصول فيها إلى حكم، هي جدلية منذ الأزل وعملية الفصل وترجيح أي منها هو الأصح لن يكون، والسبب أن كل فرقة لديها حججها وبراهينها وقناعاتها أيضا، وليس من السهل تخليها عنها لمجرد أن أحدهم هاجمها أو شكك في معتقدها.
والمؤكد أن أولئك الأقوام يعون الأمر غير أن الأهداف واضحة مهما ألبسوها من براءة، كما فعل أحدهم وهو يعلل سبه وقدحه وتكفيره لإحدى الطوائف بأنه محب وناصح، وهو مع الأسف يدس السم في العسل كما يقال، وما يرمي إليه من فعله لن ينطلي على أحد، الصادم أنه مازالت على شاكلته نماذج ليست بالقليلة تتقافز مستبشرة عند إثارة أي نقاش في هذا الأمر، وهي لا تدخل لتقول كلمة حق، بل لتسب وتشتم هي الأخرى.
طبعا هناك موجات استنكار ورفض لما يبدر عنها ومنها ومن شرائح معتدلة وعادلة في حكمها، لكن وجودها لا يعيد للمعتدى عليه حقه ولا يعقد لسان ذلك الشاتم عنه، بل العملية مستمرة وإن سكت اليوم فغدا سيظهر من جديد، وليت هذا النموذج غير الجيد للمواطن المخلص يشغل وقت فراغه بما يفيد، وطالما هو يرى أن تلك الفئات غير مؤتمنة على وطنها ويشكك في ولائها فلديه الفرصة الآن لإظهار ذلك الحب والولاء.
هناك مواقع عديدة تحتاج إلى جهده ومن هم على شاكلته، غير أن الواضح أن صاحبنا من تلك الجماعة الناصحة والمحرضة وفي المقابل هي أول الهاربين والمتوارين عن ساحة الجهاد كما يسمونها والتي يعود الحكم فيها إلى أنها بالفعل ساحة جهاد من عدمه إلى نوع التنظيم المسيطر، فليس كل المواقع يصح فيها جهادهم، وهي في كل الأحوال تحرص على حماية نفسها وخاصتها عن الذهاب إلى أي مكان ممكن أن يشكل خطورة على حياتها، والحقيقة التي لن نتردد في الإفصاح عنها أن هناك غصة تكبر في حلوقنا، كلما شاهدنا هذا الناعق وأمثاله يتجرؤون علينا سبا وشتما وإخراجا من الملة دون أن يكون لدينا وسيلة قوية نستطيع بها دحره ليقف عند حده ويفكر ألف مرة قبل أن يطلق لسانه أو قلمه بالأذى.