كلّ مَن خالف الفطرة وسماحة الدين فأمرُه إلى زوال، ولن يشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، وغالبيةُ الناس في بلادنا على الحنيفية السمحة، ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء

لله الحكمة البالغة: (ولو شاء لهداكم أجمعين)، وله الحكمة البالغة باختلاف الخلق، وبُعْدِ كثيرٍ منهم عن الحق: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى? ? فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِين)، وهو القادر على الانتصار من أهل الباطل الذين لا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسولُه، ولكن حكمته اقتضت الابتلاء (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض)، ومن جملة الابتلاء: تسلط أصحاب الغلو من الحركات والتنظيمات المنتسبة إلى الإسلام كالإخوان ونحوهم على عباد الله الصالحين، الذين يعبدون الله بسماحة ورفق، وبُعدٍ عن التكلف والتنطع وأذية الخلق، وبُعْدٍ كذلك عن العُقَد النفسية والغل والأحقاد والأهواء والاصطفافات والتحزبات، لقد مرَّ على الناس حينٌ من الدهر وهم مُتأذون من تسلط أصحاب هذا التدين الحزبي الحركي، فقد ساموهم بجلافتهم وحزبيتهم سوء العذاب، فضلا عن جنايتهم على الشريعة، ومع الأسف كان ذلك باسم الدين، والدين من حزبيتهم وتسلطهم براء، وما كادت شمسهم تغرب، ويتنفس الناس الصعداء، ويرتاحون من تسلطهم وإزعاجهم وجَلَبَتهم، حتى ظهر- بحماس واندفاع - تيارٌ آخر، يُسمَّى بالتيار الليبرالي، هذا التيار لديه جرأة على أحكام الشريعة، بل وأصول العقيدة، ومن نظر في كتابات (بعض) المنتمين إلى هذا التيار وأقوالهم، فإنه يرى ذلك عيانا بيانا.
وقد قال بعض الناس: هل قَدَرنا أن تتناوب على أذيتنا هاتان المجموعتان الوافدتان، الإخوان والليبرالية، ألا يمكن أن نكون على سيرتنا الأولى قبل مجيء هذين التيارين إلى بلادنا!؟
فقلت: بلى، وكل من خالف الفطرة وسماحة الدين فأمره إلى زوال، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، وغالبية الناس في بلادنا على الحنيفية السمحة، ليسوا من هؤلاء ولا هؤلاء، متوكلون على الله، يقولون لأصحاب الأخونة واللبرلة (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى? مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُون)، ومتيقنون بأن (الله لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِين)، وأن المكر السيئ لا يحيق إِلَّا بِأَهْلِه، هذه سنة الله، (فلن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تحويلا)، والله يمهل ولا يهمل، ومن حكمته سبحانه أنه يداول الأيام بين الناس، فهو القائل سبحانه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس)، ولكن العاقبة للمتقين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون، وأما صخب الإخوانيين واللبيراليين وضجيجهم، فهو وإن كان مُؤذيا إلا أنه جفاء سيزول، ويبقى الحق، بدليل قوله تعالى: (كَذَ?لِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض).
وبلادنا المملكة العربية السعودية أُسست على التقوى من أول يوم، ولاتزال، وستظل إن شاء الله، وهي تقوم على الدين الذي شرعه الله، بلا غلو ولا جفاء، وإنما على الوسطية التي ذكرها الله بقوله (وَكَذَ?لِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، وتضمنه النظام الأساسي للحكم، وهذا ما نعتز به، ونحمد الله عليه، وقادتنا (آل سعود) بدءا من الإمام المجاهد محمد بن سعود المُتوَفى عام 1179 للهجرة إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أطال الله عمره على طاعته، هم أنصار دين الله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وقد نصرهم الله تحقيقا لوعده تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، فلا يصح أن يُزَايد عليهم أحدٌ في ذلك، فهم جميعا متَّبِعُون لقول الملك المؤسس عبدالعزيز رحمه الله: (إني والله وبالله وتالله أقدم دمي ودم أولادي وكل آل سعود فداء لهذه الكلمة - كلمة التوحيد- لا أضن به)، هذا ما قاله الملك عبدالعزيز رحمه الله، واللهَ نسأل أن يجعل هذه الكلمة في موازين حسناته، وقد جاء في الحديث: (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَات)، ومعنى: لا يلقي لها بالا - كما يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله - (يعني: أنه لا يظن أنها تبلغ به ما بلغ، وإلا فهو قد درسها وعرفها وألقى لها البال، لكن لا يظن أن تبلغ ما بلغت يرفع الله له بها درجات في الجنة)، وهذا من توفيق الله على بلادنا- المملكة العربية السعودية - أن جعل ولايتنا فيمن ينصرون دينه وعباده الصالحين، فمهما أجلب الإخوانيون والليبراليون ومن وراءهم بخيلهم ورَجِلِهم، فإنهم: كناطحٍ صخرةً يوماً ليُوهنها * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
والمتعين على كل مسلم أن يحذر تلك الجماعات والتيارات الوافدة، فإنها ما جاءتنا بخير، وإنما صنعها الأعداء ضِرَاراً وتفريقا بين المؤمنين، فالحذر من مساعدتهم في ذلك، قال الملك عبدالعزيز رحمه الله: (في بلاد العرب والإسلام أناس يساعدون الأجنبي على الإضرار بجزيرة العرب والإسلام، وضربها في الصميم، وإلحاق الأذى بنا، ولكن لن يتم لهم ذلك إن شاء الله وفينا عرقٌ ينبض).
وأبناء الملك عبدالعزيز وأحفاده هم على جادته وسيرته في نصرة الشريعة، فليطمئن أهل الاستقامة، وليرعوِ أهل الغواية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.