جدة: محمود تراوري



يرقد رائد الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية في السعودية فاروق لقمان منذ أكثر من أسبوع فاقدا للوعي بأحد مستشفيات جدة إثر تعرضه لجلطة دماغية، وحين يذكر لقمان في هذا المجال الصحافي، فإنه من الصعب تخطيه، كرقم صعب، لصحيفة سعودية تصدر من مدينة جدة (عرب نيوز)، التي ظل توزيعها يتخطى الحدود ليصل إلى أغلب دول الشرق الأوسط.. فهو أول من عمل بها وأدار تحريرها كركن من أركانها المضيئة على مدى سنوات قبل أن يحال إلى التقاعد.

شغف المقالة
بين لحظة التقاعد عام 2012 ولحظة البدايات البعيدة، لحظات عامرة بالشغف الصحفي، تجول في أنحاء العالم باحثا عن الحكاية والمقابلة والطرفة وقصص صانعي الأخبار التقى بعشرات القادة والسياسيين، «أنديرا غاندي وفرديناند ماركوس، الزعيم الفلبيني المسلم نور مسوري، بي نظير بوتو، رؤساء حكومات، ومئات من الذين تركوا بصماتهم على المسيرة الإنسانية أينما كانوا، واطلع القارئ على آلاف المقالات التي كان ينشرها في جريدة الشرق الأوسط والاقتصادية والصباحية الدولية والاتحاد الإماراتية وأكتوبر والأيام اليمنيتين. وضمنها في الجزأين الأولين من كتاب عالم بلا حدود وكتاب توابل هندية المكون من ثمانين حكاية عن الهند وحدها وفي كتاب بصمات.

رؤية معلم
لم يكتف «المعلم» فاروق لقمان، بعمله الصحفي الروتيني الذي يتقنه بلداء الصحفيين، يقول في مذكرات مخطوطة، ملخصا سمات الصحفي الحقيقي ومحددا ملامحه: «أكبر نقاط الضعف عندي أنني لا أكتب أو أحرر ما يكتبه الآخرون، ولا أعتني تحريريا بأخبار الوكالات والمراسلين، أتجه نحو القراءة وأمامي شاشة مفتوحة 24 ساعة تمدني بكل أخبار جميع الوكالات باللغتين، أقضي أمامها معظم ساعات يومي بالإضافة إلى قراءاتي في البيت أو الطائرة أو القطار أو حول حمام السباحة في الفنادق. وساعدتني المهنة على نيل أي مادة أو كتاب لفت نظري، كما ساعدني كل من الهاتف والكمبيوتر على الاتصال بأي مصدر معلومة أو صانع خبر علمي أو سياسي أو أكاديمي، وددت أن يزودني بها، فإذا أعجبتني معلومة وجذبت اهتمامي أشعر برغبة جامحة لنقلها إلى أكبر عدد ممكن من الناس، ولا بد من الاعتراف بأني تأثرت من ذلك أيضا بالصحافة الغربية التي لا تتردد في نشر المعلومة على الصفحة الأولى حتى وإن كانت تخص حشرة تميل إلى التهام زوجها إذا تودد إليها أكثر مما يجب». تلك هي رؤية المعلم، ابن «محمد علي لقمان» صاحب أول صحيفة تصدر في شبه الجزيرة العربية، سليل الأسرة العدنية العريقة في الصحافة، والذي ظل على مر السنين الماضية بمثابة العمود الفقري لتحرير عرب نيوز.

العمود النموذج
ذاكرة قراء «الشرق الأوسط» لا يمكن أن تنسى أواخر الثمانينات الميلادية حين أطلقت عموده اليومي «عالم بلا حدود» الذي لاقى نجاحا كبيرا في كسب ثقة القراء، ومثل -بحسب- ناشري الصحيفة «المدرسة الصحفية الحديثة في كتابة العمود اليومي»، ليكون من أنجح الأعمدة اليومية في الصحافة العربية، متنقلا بخفة ورشاقة بين الموضوعات الإنسانية التي يلتقطها بحس صحفي محنك، ينقل لقارئه العجيب والمثير، دون ثرثرة ولا تفاصيل مملة، أو وقوع في فخ النرجسية والتعالم والاستعراض، بل يلج رأسا للب القصة مباشرة بلا ادعاءات أو تطويل. لتتحول تلك المساحة الصغيرة التي تتعدى الـ400 كلمة إلى شاشة تلفزيونية تعرض للقارئ لقطات خاطفة وسريعة من كل شيء وأي شيء، ابتداء من ظهور عملاق الصناعة الياباني، وانتهاء بفاجعة أوروبا في النقص السكاني، وبخاصية أسلوبية يجعلها مفتوحة أمام كل مستويات القراء، تقدم المعلومة، وتثري الذاكرة وتملأ الوجدان.

مرح المعلم
مطالع التسعينيات الميلادية، أطلقت الشكرة السعودية للأبحاث والنشر، دورات تدريبية مكثفة، واحترافية للراغبين في العمل الصحفي، كان فاروق لقمان واحدا من أهم المدربين في تلك الدورات، خاصة للصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية. يسترجع طلابه في تلك المرحلة والذين غدا أغلبهم نجوما في الصحافة الناطقة باللغة الإنجليزية، أنه إلى جانب قدراته المهنية الفذة، ميزه مرح محبب، فهو، صاحب نكتة، وإذا ضحك زلزل المكتب.. واهتزت الأوراق.. ودورق الشاي المخلوط بالزنجبيل»، ولا ينسى آخرون الإشارة إلى واحدة من أهم ميزاته «يتحدث إليك بعناية فائقة، عندما يصمت فهو مستمع جيد، أفكاره متحررة من أي فكر عنصري، محلل جيد لكل المواقف، سيطر العقل عنده على العاطفة، لكن إذا ما لمست وترا حساسا من قلبه –عليك العوض– فهو بركان عاطفي هادر.. لا حدود له..»، إنه فاروق لقمان، الذي كان سر نجاحه، احترامه لعمله.. تقديسه للكلمة.. والحرف...
يعاني.. ويحترق، لتصنع صحافة حقيقية.

 ولد ودرس في عدن 1935
 1958 ليسانس في العلوم السياسية والتاريخ من جامعة بومباي
 1962 ماجستير في الصحافة من جامعة كولومبيا بأميركا
 عمل في عدن بدار نشر تملكها أسرته وتصدر عدة مطبوعات
 عمل مراسلا في عدن للديلي ميل وفاينانشيال تايمز ونيويورك تايمز
 بعد تأميم الصحافة في عدن ومصادرة دار النشر إثر الاستقلال 1968 غادر اليمن وعمل مراسلا متجولا لعدة صحف ووكالات
 أسهم في تأسيس وإصدار «عرب نيوز» 1974، وظل مديرا ثم رئيسا للتحرير لمدة عشرين عاما
 عمل مديرا لتحرير الاقتصادية
 عمل مديرا لمركز التدريب الصحافي بالشركة السعودية للأبحاث والنشر