إعلامنا هو النافذة التي يرانا منها العالم، فما أجمل أن نعكس صورته الحقيقية المشرقة، وما قام عليه من أسس مباركة، قام عليها النظام الأساسي للحكم، ولنحذر من تسويد المشهد، أو التقليل من شأن ما خص الله به هذه البلاد

السلاح بحامله، فإن حمله القوي المتمرس الذي يعرف الكر والفر، فقد فاز، ونفعه سلاحه، وإن حمله من لا يحسن الكر والفر، فإنه سيقتل بسلاحه، ويكون سلاحه وبالا عليه.
وهكذا الإعلام سواء بسواء، هو سلاح فتاك، لكنه لصاحبه أو عليه، بحسب نوعية ما يتكلم به وتوقيته وفقهه للمآلات، هذا إذا كان يتكلم عن أمر يخصه، فكيف إذا كان يتكلم عن بلده، ومجتمعه؟ لا ريب أن العاقبة أكبر، والمسؤولية أعظم.
وما أسوأ أن تكون القضية عادلة، بينما محاميها والمتحدث عنها فاشل، أو براقشي، يجني على قضيته وأهله، فيفرح العدو، ويجني على أهله ومجتمعه، الذين لا يملكون إلا أن يقولوا: (ليته سكت).
ومعلوم أن بعض من ليس له حق ألحن بحجته من صاحب الحق، فيكسب بذلك المتابعين والسامعين والمؤثرين، ويكونون معه على صاحب الحق، والحق لا يهزم، ولكن ظنه الناس ليس حقا، بسبب حامله الضعيف، الذي لا يحسن عرضه، ولا الجواب عن معارضه، واليوم أصبح الإعلام صناعة، وله مراكزه العالمية، وتنوعت وسائله صوتا وصورة، فصارت بعض المقاطع التي تعد لبيان الحق، بإحكام واحترافية، وليس فيها اعتداء أو تجن على أحد، توصل رسائل إيجابية، أكثر مما تفعله المجلدات، رغم أن تلك المقاطع لا تتجاوز ثواني أو دقائق.
ومن نظر إلى قصة الهدهد مع سليمان عليه الصلاة والسلام، يرى كيف تكون صناعة ونقل الأخبار والوقائع بشكل منظم، ورأى الطريقة المثلى للتعامل مع ما يأتي به مستطلعو الوقائع والأحداث، وهو ألا يبنى عليها شيء، إلا بعد التأكد من المصدر الأصلي، (سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * اذهب بكتابي هذا...) واختيار الكلمات، ونقل المشهد بتمامه إلى صاحب القرار دون تعجل بالحكم، فالهدهد نقل الصورة والواقع بتمامه إلى سليمان عليه السلام دون إصدار حكم، والأدب الراقي في عرض المعلومة، وعرض واقع المخالف بعلم وعدل، دون تشنج أو بغي، وغير ذلك مما تضمنته الآيات الكريمة: (وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين... إلى قوله: (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون).
فكما ترى في القرآن الكريم والسنة النبوية تبيان كل شيء، كما في قوله تعالى (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، ومن ذلك أصول الإعلام ونقل الحوادث والأخبار، وما يلحق بذلك من تثبت ودقة ونظام، ومن الأهمية بمكان اغتنام كل الوسائل التقنية، وما توصل له العلم الحديث، لنشر الحق، ودمغ الباطل، بعد التحرير المناسب وفق الأصول الشرعية، والقواعد المرعية، والآداب المهنية والأخلاقية.
لأن من لديه الحق فهو منصور إذا أحسن عرضه، فلا حاجة إلى السقوط في رديء الكلام وسفاسفه، فضلا عن السب والشتم، الذي يستطيعه كل أحد، لكنه لا ينصر حقا، ولا يبطل باطلا، وإنما هو حيلة من لا حجة له، بل إن صاحب الحق الحصيف مهما علا مقامه وشأنه، إذا تعرض للسب، ممن يريد أن يشوش عليه، وعلى ما يقوله من حق، لا يستفزه ذلك، وإنما يضبط نفسه ولا يقول إلا حقا، ولما استفز الخصوم ابن تيمية، وكذبوا عليه، وفسقوه وبدعوه أجابهم بقوله: (وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس حاكما فيما اختلفوا فيه)، فالاتزان مطلوب من كل أحد، لاسيما من شرفه الله بالحديث عن هذا الوطن المملكة العربية السعودية، الذي هو مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، وذلك ببيان محاسنه، وما أكثرها، ودرء الشر عنه وعن أهله، فإعلامنا هو النافذة التي يرانا منها العالم، فما أجمل أن نعكس صورته الحقيقية المشرقة، وما قام عليه من أسس مباركة، قام عليها النظام الأساسي للحكم، ولنحذر من تسويد المشهد، أو التقليل من شأن ما خص الله به هذه البلاد من خصائص لا توجد في غيره، وما أجمل أن يتجنب الإعلاميون الجدل البيزنطي بين مكونات الوطن، فإن البيزنطيين كانوا يتجادلون في ما لا ثمرة منه، والعدو يتربص بهم، فاستمروا في جدلهم لبعض البعض، حتى داهمهم العدو، وليحذروا كذلك من تصويب التهم إلى وطنهم ومؤسساته، لأن هذا ما يريده الأعداء ليكون حججا لهم عند اتهامهم لبلدنا، وأما النقد البناء فمقبول شريطة أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم.