الدولة التي أنصفت النساء في واحدة من أكثر القضايا جدلاً وهي قيادة المرأة، قادرة وجديرة بأن تنهي معاناة المرأة السعودية بإعطاء الأمن والأمان لأبنائها عبر منحهم جنسيتها بغض النظر عن جنسية أبيهم
الجنسية لأبناء المواطنة السعودية موضوع قديم متجدد ما دام لم يصدر فيه قرار يحسم معاناة الكثيرات. بداية نلاحظ أن القضية لا تتعلق باستحقاق الجنسية لمن أحد والديه غير سعودي، وإنما فقط لمن أمه سعودية، أما أبناء السعودي فيستحقون الجنسية، حتى لو لم يكن له علاقة بهم إلا نطفة ألقاها. وليترك المسؤولية لسنوات طوال بعدها على سفارات بلادنا، والتي تصطف الأمهات على أبوابها مع صغارهن من ذكر لا يعرف معنى الرجولة أو الأبوة. فأبناء السعودي حتى لو لم يزوروا البلد، أو يتحدثوا العربية، أو لم تكن أمهم مسلمة، فإنهم عرفاً وقانوناً مستحقون لها. وكأننا نتحدث عن نسب شرعي وليس عن قوانين إدارية تنظيمية. فلماذا يختلف الوضع عندما يتعلق الوضع بأبناء مواطنة سعودية متزوجة برجل مسلم وغالباً عربي، بل وفي أحيان كثيرة من مواليد هذه البلاد؟
معظم التشريعات التنظيمية والقانونية تخرج من رحم مجتمعاتها، ومجتمعنا مجتمع ذكوري رغم كل التطور الظاهري، وهو ابتداء لا يرى أن الرجل والمرأة متساويان في المواطنة، بل الرجل هو الأصل والمرأة فرع تابع له، وتستمد قيمتها وحقوقها من انتمائها له كابنة أو زوجة أو أخت أو أم، لكنها ليست فرداً مستقلاً حر الإرادة. ولذلك ليس من المستغرب أن تختلف التنظيمات الإدارية المتعلقة بها، فلا يُجنس أبناؤها، ولا يحق لها مثلاً التقدم بطلب للحصول على مسكن أو قرض إلا في حالات خاصة، وغير ذلك من الأمور.
فنظراً لكون المرأة في العقل الجمعي تابعة، فهي جزء من العائلة أو القبيلة، التي تختار لها ما يناسبهم حتى في الزواج، فإن خروج امرأة عن هذا السياق واستقلالها في اختيار زوج لا تنطبق عليه مواصفات المجتمع، حتى لو كان برضا أهلها، هو أمر يشبه الجريمة لدى البعض. وحينما ترتكبين جريمة «مجتمعية» مثل الزواج بغير سعودي فيجب أن تكوني مستعدة للعقوبة، فستواجهين نبذ هذا المجتمع وإن كان بشكل غير مباشر، وذلك عبر لفظ أبنائك وتعقيدات حياة أسرتك. هؤلاء يشعرون بأن الزواج بغير سعودي يطعن في رجولة المواطن، فهم يقولونها سراً وعلناً «خلصوا السعوديين مثلاً؟!» وبالنسبة لهم من المنطقي جداً والمفضل أن تكوني زوجة رابعة لسعودي، أو حتى زوجة مسيار له، على أن تكوني ملكة في بيت وقلب «أجنبي».
ولأنهم يرون المرأة خفيفة العقل ومحدودة التفكير فهم يظنون أن هذا مدخل للاستغلال، فسيتم الضحك عليها من أجل الجنسية، وكأن النساء وأهاليهن ليست لديهن مقدرة على تمييز الطيب من الخبيث! مثل هذه الحالات حصلت وتحصل في كل مكان، بل وحصلت أكثر فيما يتعلق بزواج الأجنبيه بسعودي، لكنها تظل حالات محدودة والشاذ لا حكم له.
ومع أنه لا يُفترض أن يبرر المرء لأحد خياراته الشخصية جداً مثل الزواج، لكن من أجل توضيح عدالة القضية، فلا بأس من ذكر بعض المبررات، ومقارنة الأمر بوضع السعودي المرتبط بغير سعودية، والتي بالمناسبة ليس لدي أي اعتراض لمنحها أو منح أولادها الجنسية. فالرجل هو من يقرر الزواج في الوقت المناسب له، ويقرر من يخطب، بينما الحالة مختلفة كلياً لدى المرأة التي عليها أن تنتظر الخاطب المناسب وقتما يجيء. والرجل المقتدر مادياً يظل مؤهلاً ومرغوباً للزواج حتى أواخر الأربعينات من عمره، بينما المرأة ما إن تبلغ الثلاثينات حتى يعتبرها المجتمع عانساً.
الرجل قد تخطر في باله مواصفات شكلية معينة أو جنسية معينة، فيسافر لتلك البلاد ويتزوج منها، ولا يحتاج
إلا لإذن الداخلية، بينما لم نسمع عن امرأة سعودية سافرت بغرض البحث عن عريس! وحتى لو فعلت فهي تحتاج موافقة وليها (للسفر ناهيك عن الزواج)، وبقية أفراد أسرتها، ومن ثم الداخلية، حتى يتم هذا الأمر، الذي هو ليس سهلاً ولا ميسراً. فلماذا إذاً تتزوج السعودية بغير سعودي؟
الأسباب كثيرة، منها أن يكون قريباً لها، كأن يكون ابن عمها، ولدينا أسر كثيرة لم يتجنس كل أفرادها ومع ذلك يستمر العرف العربي القديم في الزواج بابن العم. وقد تكون أمها غير سعودية وترغب في الارتباط بابن خالها، وقد تكون امرأة ناضجة متعلمة تعليماً عالياً ولم يتقدم لها من يكافئها في العمر أو المكانة سواه، أو ربما تقدم لها ولكن
لم يحصل بينهما توافق أو انسجام. ولعله سبق لها الزواج أو لديها أطفال، وهي عوامل تقلل من جاذبية المرأة للزواج في مجتمعنا للأسف الشديد. وقد يكون حصل استلطاف قلبي أو توافق عقلي بينها وبين زميل عمل أو دراسة في الخارج، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لم ير للمتحابين مثل النكاح)، فالإنسان لا يختار من يهواهم قلبه، وإنما الله عز وجل هو مؤلف القلوب.
وفي كل الأحوال فإنه زواج على سنة الله ورسوله، مكتمل الأركان والشروط، وما دام الزوجان راضيين ومستقرين فليس لأحد أن يفرق بينهما أو يُصعب حياتهما. والمرأة أكثر التصاقاً بأرضها وقومها، والأم هي من ترضع العادات والتقاليد والقيم وحب الوطن مع حليبها، فأبناؤها وبناتها أقرب لقيم المجتمع من غيرهم. وفي هذا
رد على من يقول بأن التجنيس سيغير التركيبة السكانية للشعب، وكأننا نتحدث عن الشعب الآري في ألمانيا النازية، فكلنا مسلمون وجلنا عرب.
الحجة الأخيرة، وهي أن ذلك سيساهم في زيادة بطالة السعوديين، متناسين أن منح الجنسية يدخل ضمن الحقوق الإنسانية، والتي قد تخضع لشروط محددة مثل الدين أو اللغة أو سنوات الإقامة، ولكنها لا يجب أن تخضع لحال السوق ومشكلاته الاقتصادية، التي هي أمور متغيرة ومتحولة.
إن الدولة التي أنصفت النساء مؤخراً في واحدة من أكثر القضايا جدلاً وهي قيادة المرأة، قادرة - بإذن الله- وجديرة بأن تنهي معاناة المرأة السعودية بإعطاء الأمن والأمان لأبنائها عبر منحهم جنسيتها بغض النظر عن جنسية أبيهم. فالنسب للأب شرعاً وعرفاً وقانوناً، أما الجنسية فهي تنظيم إداري يحق لأي مواطن أو مواطنة توريثه أو هكذا يُفترض!