إسرائيل هي «أم القواعد» الأميركية في الشرق الأوسط، ولا تنافسها أي قاعدة من 750 قاعدة عسكرية أميركية منتشرة في أكثر من 130 دولة من دول العالم
تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا أنباء تفيد بأن ثمة استراتيجية جديدة أميركية في الشرق الأوسط تكمن وراء إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في صحراء النقب، وصفت بأنها القاعدة الأجنبية «الوحيدة» في إسرائيل. تم افتتاحها في سبتمبر الماضي، وخصصت لها موارد كبيرة. والهدف من إنشائها هو مساعدة إسرائيل في تشغيل نظام إكس – باند الصاروخي الإسرائيلي المتعدد المستويات، والذي نشرته الولايات المتحدة في النقب في 2009، ويستطيع الكشف عن منصات إطلاق صواريخ من بعد مئات الكيلومترات، ويعد جزءا من مساعي الولايات المتحدة لتحسين قدرات إسرائيل الدفاعية في مواجهة تهديدات متصاعدة من إيران.
وثمة معلومات وإحصاءات كثيرة عن تصاعد حجم التواجد العسكري الأميركي في بلدان الشرق الأوسط، ومنها: العراق وسورية. لكن، عادة يغفل الحديث عن التواجد العسكري الأميركي في إسرائيل، على اعتبارها في واقع الأمر في منزلة حاملة طائرات أميركية ثابتة تسمى «دولة»، يقيم فيها جنود إسرائيليون مع عوائلهم وينتجون جزءا من احتياجاتهم.
ولا يبدو هذا الإغفال أمرا عمليا راهنا، فلا بد من الكشف عن واقع التواجد العسكري الأميركي في إسرائيل الذي تم استجابة لمطالب إسرائيلية، حيث إن فكرة إقامة مخازن طوارئ أميركية في إسرائيل وضعها آرييل شارون حين كان وزيرا للدفاع في بداية الثمانينات. إذ اقترح إقامة مخزون طوارئ من الدبابات، حاملات الطائرات، الذخيرة والمعدات الطبية، بحيث تكون قريبة وفي متناول اليد للجيش الأميركي، في حالة الطوارئ يمكن لإسرائيل استخدامها. لكنه رفض مرابطة جنود أميركيين في إسرائيل خشية الأثر النفسي المضعف والإحساس بالتعلق غير السليم بعنصر أجنبي لحماية الدولة.
ورأى شارون في القواعد أيضا فرصة اقتصادية. فقد اقترح أن تمول الولايات المتحدة كلفة الصيانة وتشتري جزءا من الذخيرة في «إسرائيل». وأيد الفكرة رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن الذي اعتقد بأنه سيكون في قواعد الطوارئ عمليا إعلان التزام أميركي حقيقي بأمن إسرائيل. بينما عارض قادة حزب العمل إقامة مخازن الطوارئ بدعوى مضحكة تفيد أن الأمر قد يدفع إسرائيل إلى أن تدافع عن الولايات المتحدة بشكل غير مباشر. وإسرائيل ملتزمة بالدفاع عن حدود الدولة فقط وليس عن مصالح أميركية.
وعمليا، تنتشر في إسرائيل ست قواعد أميركية «سرية» مملوءة بالذخيرة، والقنابل الذكية، والصواريخ، والمركبات من أنواع مختلفة ومستشفى عسكري مع 500 سرير. وتوجد القواعد في هرتسيليا بيتوح، في مطار بن غوريون وفي قواعد سلاح الجو عوفدا نبطيم.
وقد حدد الباحث العسكري وليم أركين، رجل الاستخبارات السابق، في كتاب «أسماء سرية» الذي صدر في 2005، مكان قسم من القواعد الأميركية في إسرائيل التي لا تظهر في الخرائط ومكانها الدقيق سري. بعضها يوجد، حسب الكتاب، في مطار بن غوريون، في نباطيم، في قاعدة عوفدا وفي هرتسيليا بتوح. وترقم المواقع برقم 51، 53، 54، 55 و56. بعضها مخازن تحت الأرض، بعضها مبنية كبركسات مفتوحة.
ويضم موقع 51، حسب أركين، ذخيرة ومعدات في مخازن تحت أرضية. ويوجد موقع 53 في قواعد سلاح الجو الإسرائيلي، وموقع 54 هو مستشفى عسكري للطوارئ قرب تل أبيب مع 500 سرير، وموقعا 55 و56 هما مخزنا ذخيرة. وكانت صحيفة «هتسوفيه» قد كشفت قبل سنوات قليلة عن وجود قاعدة قرب مدينة العاد، بنتها شركة ألمانية بتمويل أميركي.
ويذكر أنه في إطار الاتفاقيات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تمول الأولى صيانة القواعد والحراسة عليها. بينما الجنود الإسرائيليون وشركات الحراسة الإسرائيلية يحرسون المنشآت بواسطة وسائل حراسة متطورة. ويشرف ضباط أميركيون من مقر «يوكم» في ألمانيا على الصيانة.
وحسب موقع «يوكم»، يوجد 150 جنديا أميركيا في إسرائيل في مهمات مختلفة. ويتضمن التعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة معدات عسكرية في إطار اتفاق WRS: مخازن احتياط عسكرية.
وتعرف محافل إسرائيلية وأميركية قواعد الطوارئ جيدا وأهميتها الكبيرة بالنسبة لمنظومة القتال الإسرائيلية. ففي بيان خاص ذكر البيت الأبيض أن القوات الإسرائيلية تتمتع بقدرة وصول إلى مخازن الطوارئ الأميركية. وقال داني ياتوم، الذي كان رئيس شعبة التخطيط في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في الفترة التي بدأت فيها الولايات المتحدة تبني المخازن في إسرائيل: «هذه المخازن تعطينا الإحساس بأن لدينا معدات أكثر مما لدينا حقا. الاحتياطي عندنا لم يكن في أي مرة من المرات كافيا. والمخازن الأميركية تسهل لتخطيط الأعمال العسكرية لأنه في كل عملية يمكن أن تحتسب أيضا المعدات الأميركية. بشكل رسمي محظور علينا استخدام هذا إلا بإذن أميركي. ولكن بالتأكيد يحتمل أن تمر في رأس أحد ما الفكرة في أنه إذا ما احتجنا لهذه المعدات احتياجا شديدا، والأميركيون لم يأذنوا لنا بالوصول إلى مخازن الطوارئ، فإننا سنأخذ هذا في كل الأحوال».
ويمكن وضع القواعد العسكرية الأميركية في إسرائيل في منزلة الوديعة العسكرية الأميركية التي تحقق لإسرائيل مخزونا استراتيجيا من السلاح، ويوفر على الولايات المتحدة عناء إقامة «قطار جوي» لتزويد إسرائيل على غرار ما حدث في حرب عام 1973. ولكن من حيث الجوهر والاعتبارات الاستراتيجية إسرائيل هي «أم القواعد» الأميركية في الشرق الأوسط، ولا تنافسها أي قاعدة من 750 قاعدة عسكرية أميركية منتشرة في أكثر من 130 دولة من دول العالم. وعلى سبيل المثال، إن ما تملكه إسرائيل من قنابل نووية وهيدروجينية التي تلوح بـ«خيار شمشون» لحماية نفسها والمصالح الحيوية الأميركية في الشرق الأوسط، يضع «أم القنابل» الأميركية التي ألقيت في أفغانستان في أبريل الماضي التي تزن 9800 كيلوجرام من نوع GBU43 على شبكة أنفاق يستخدمها تنظيم الدولة في ولاية ننغرهار. في منزلة لزوم ما لا يلزم.