الواجب على كل مسلم أن يعتز بعقيدته، ومعاذ الله أن يكون التمسك بالعقيدة، سببا للتخلف، فعلينا بالتؤدة، لئلا نطير في العجَّة
إذا هبَّت رياح التيارات والجماعات والحزبيات، فإنها تنزع بشُبَهِهَا من مرّت عليه، لاسيما من تبهره الألفاظ البرَّاقة، والأوهام الخدَّاعة، وإلا فالراسخ في العلم - كما يقول ابن القيم - لو ورد عليه من الشُبَه بعدد أمواج البحر، ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكا، لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشُبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرسُ العلم وجيشُه، مغلولة مغلوبة.
والأمير الموفَّق خالد الفيصل أطال الله عمره على طاعته، وأسبغ عليه نِعَمَه ظاهرةً وباطنة، له كلمات بليغة في هذا الشأن تُكتب بماء الذهب، ومن تلك الكلمات ما جاء في منظومته المسماة (الهبوب)، والتي هي بحق عميقة المعنى، تتضمن نصيحة مشفق، ورؤية حاكم، شخَّص فيها الداء الذي تأتي به رياح الأفكار المنحرفة، وأرشد إلى الدواء الشافي وهو التمسك بالكتاب والسنة، فهما الواقيان من تلك الرياح العاتية، كما قال تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هُدِي إلى صراطٍ مستقيم)، والخبير دائما إذا شخَّص الداء، يصف الدواء، لعِلْمِه أنه ما من داء إلا له دواء، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَه من جهله، وهي بحمد الله منشورة يمكن أن يرجع إليها من شاء.
وقد تضمنت هذه المنظومة الرائعة، تشخيصا دقيقا للداء، وبيانا لأسبابه، وبيانا للدواء الشافي وأدلته، وتوكيداً على الحفاظ على العقيدة الصحيحة، وتحذيراً مما يُضادها من التيارات والأفكار والأحزاب، سواء سُمِّيت (تنويرية) وهي في حقيقتها (ظلامية)، أو سُمِّيت بغير ذلك من المصطلحات الخادعة.
وفي هذا يقول الأمير حفظه الله: (وشجعوا التغريب الفكري... إلى أن قال: ونقلناها بكل سذاجة، وسميناها تنويرية)، والنور الحقيقي إنما هو باتباع العقيدة الصحيحة، فهي التي أخرج الله بها عباده المؤمنين من الظلمات إلى النور، كما في قوله تعالى (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور)، وهي ليست ضد العلم والتقدم، وإنما تحث عليه، وتُرغِّب فيه، وفي نظري أن السعي ولو بشطر كلمة لتهوين العقيدة، التي يُسميها بعض الناس (الأيديولوجية الشرعية)، إنما هو سعيٌ في إزالة الأساس الذي قامت عليه بلادنا السعودية، علموا ذلك أم لم يعلموا، وما كان ينبغي لهم ذلك، فهذه العقيدة التي قامت عليها بلادنا، هي سعادتنا في الدنيا والآخرة، وأما ما يُسمَّى بالعلمانية، والتنوير، والليبرالية، والديموقراطية، والإخوانية، والسرورية، والصحوية، وغيرها من التيارات والأحزاب والتنظيمات، والتي تشترك كلها في المظاهرات والشرور ومخالفة الشريعة، فقد أغنانا الله عنها بخيرٍ منها، كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لعاقل أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فقد عاب الله على بني إسرائيل ذلك، فقال تعالى: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، وكانوا استبدلوا الأدنى: كالبصل والفوم بالذي هو خير: المنّ والسلوى.
فعقيدتنا هي قوتنا، وهي لا تجيز لنا الاعتداء على أي أحد مهما كان دينه ما لم يعتد علينا، كما قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، ولكن لسنا ملزومين بدخول جحر الضب خلف سنن من كان قبلنا، ممن لا يرضيهم إلا أن نتبع ملتهم، وندَع ديننا، فهذه غايتهم، ورغبتهم، بدليل قوله تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، وقوله: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، وقد يكون من أنواع قتالهم لنا: الغزو الفكري، والذي منه: وضعهم وكلاء لهم من بني جلدتنا، ممن يتكلمون بألسنتنا، ليقوموا نيابةً عنهم بالطعن في ديننا، والسخرية من ثوابتنا، والأمثلة على ذلك كثيرة ومعلومة.
ومن أنواع أذيتهم: إثارة الفتن والتي منها: احتضانهم في بلادهم للإرهابيين المعارضين الذين يبثون سمومهم وحقدهم على ديننا ووطننا وقيادتنا، ولاريب أن الاندفاع خلفهم، ومحاولة إرضائهم، لا يجر إلى خير، لأنهم كما أخبرنا الله تعالى لا يريدون لنا الخير، قال تعالى: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشرِكين أن ينزل عليكم من خيرٍ من ربِكم)، نعم يجب أن نستفيد مما لديهم أو لدى غيرهم مهما كانت عقيدتهم مما برزوا به من صناعات وتقدم تقني ونحوه، ولكن دون التبعية والانهزامية التي تؤدي إلى التقليل من شأن ديننا، وهم كما هو معلوم لا يقدمون شيئا ينفع المسلمين تطوعا منهم وتفضلا، كلا، بل ذلك بمقابل وليس بالمجان.
فالواجب على كل مسلم أن يعتز بعقيدته، ومعاذ الله أن يكون التمسك بالعقيدة، سببا للتخلف، فعلينا بالتؤدة، لئلا نطير في العجَّة، كما يقول أميرنا الناصح خالد الفيصل: (وطارت عربانك في العجَّة، تهتف حرية حرية)، وقد أوصانا نبينا عليه الصلاة والسلام بالثبات فقال: (ياعباد الله اثبتوا)، وإن من نعمة الله التي نحدِّث بها، ونشكر الله عليها، أن جعل ولايتنا في حكم آل سعود، فهم الذين يعتزون بالتوحيد، ويصدعون به، ويدعون إليه، منذ مئات السنين ولا يزالون - أعزَّهم الله - يفعلون ذلك، في وقتٍ تخلَّى عنه كثير من الناس، كما قال ابن باز رحمه الله عن هذه الدولة السعودية: (العداء لهذه الدولة عداء للحق، عداء للتوحيد، أي دولة تقوم بالتوحيد الآن؟... من يدعو إلى التوحيد الآن ويحكم بشريعة الله ويهدم القبور التي تعبد من دون الله مَنْ؟ أين هم؟ أين الدولة التي تقوم بهذه الشريعة؟ غير هذه الدولة، أسأل الله لنا ولها الهداية والتوفيق والصلاح، ونسأل الله أن يعينها على كل خير، ونسأل الله أن يوفقها لإزالة كل شر وكل نقص، علينا أن ندعو الله لها بالتوفيق والإعانة والتسديد والنصح لها في كل حال).