رغم فظاعة ما ترتكبه حكومة بورما ضد مسلمي الروهينجا، ورغم تدويل ذلك عالميا، إلا أن رئيسة وزرائهم
«آنق سان سو كاي»، والتي انتقد كثير منا ترشحها لجائزة نوبل للسلام، تتعامل مع الإعلام الأجنبي بمكر وذكاء شديدين. فعلى سبيل المثال، عندما التقت بها هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» وسألتها عن أزمة مسلمي الروهينجا، أجابت رئيسة بورما بمبرر لطالما تم إبرازه في الإعلام البريطاني، خصوصا مؤخرا، ألا وهو «أن المسلمين معزولين ولا يندمجون مع بقية المجتمع»، وهذا مبرر اعتادت جماهير البي بي سي على سماعه، ولكن في المقابل، عندما سألتها وكالة الأنباء الهندية «ري ببلك وورد» عن نفس الموضوع، اختلف قولها، واستخدمت مبررا آخر بيد أنه أقرب للهنود من قضية الاندماج، وقالت: قضية مسلمي الروهينجا تعود لأيام الاستعمار. ولا يخفى على ذي لب مدى تحسس وتفهم الهنود لظروف الاستعمار وهم أحد المتضررين منه سابقا. في كلا الإجابتين هناك معرفة وتقدير لمرجعية السائل، وهذان مثالان واضحان على ضرورة الاطلاع العميق والإلمام بخلفية إعلام كل دولة، والظروف التي أتى منها، ومجتمعه وسياقاته، بهدف تسهيل الوصول لجمهوره والتماهي بانسيابية مع خطاباته.
لن يفهمك المتلقي الغربي أو الإفريقي أو الهندي عندما تتكلم معه عن قضية محلية قائلا هذه ثقافتنا أو هذا موروثنا، بقدر ما سيفهمك إذا تضمن كلامك إسقاطات على دولته وخلفيته الاجتماعية والدينية والثقافية. هذا ليس انتقاصا منا، ولا انسلاخا، بل هو حرفية إعلامية يمارسها كبار السياسيين عند تعاملهم مع إعلام حاد وناقد. وهذا النمط في التعامل، إلى جانب أنه يمتص غضب الإعلام الأجنبي ويتغلغل في محتواه بشكل خلّاق فهو أيضا يعكس مدى انفتاحنا وسعة اطلاعنا على ما لدى الآخرين. ونحن إن كنا لا نتفق مطلقا مع حكومة ميانمار وما تمارسه ضد الأقلية المسلمة هناك، إلا أن دهاء رئيستهم في التعامل مع الإعلام الأجنبي أثناء هذه الأزمة أمر جدير بالانتباه.