أصبح من واجب مجلس الوزراء الرفع بتعديل أنظمة العضوية، لإنهاء عضوية الأعضاء الذين يعتقدون أن الأربع سنوات «رحله برية» يستمتعون فيها بالصيت، ويحرجون الدولة بفوضى الحروب الإيديولوجية
«ترفع قرارات مجلس الشورى إلى الملك، ويقرر ما يحال منها إلى مجلس الوزراء. إذا اتفقت وجهات نظر مجلسي الوزراء والشورى، تصدر القرارات بعد موافقة الملك عليها. وإذا تباينت وجهات نظر المجلسين يُعاد الموضوع إلى مجلس الشورى ليبدي ما يراه بشأنه ويرفعه إلى الملك لاتخاذ ما يراه»، حسب ما نصت عليه المادة السابعة عشرة من نظام مجلس الشورى، وهذا يعني أن خيار الفصل في تباين الآراء تم منحه للمجلس مرة ثانية (للاتفاق) عليها، لأنهم من يمثل الشعب. ويكفي أن نعرف أنه يحق لكل عشرة أعضاء في المجلس اقتراح نظام جديد، أو تعديل نظام نافذ، فإذا فاز في التصويت بغالبية الأصوات، يعرض على رئيس المجلس الذي يقوم بدوره برفعه إلى الملك. فبدلاً من أن يستغل بعض الأعضاء هذه الصلاحيات المرنة في تعديل أو مساندة الاقتراحات الجديدة، تم تعطيلها بتعنتهم وتخاذلهم. مع أن نظام المجلس لا يجيز للعضو أن يستغل هذه العضوية لمصلحته، مثل استخدام صوته للمعارضة فقط دون سبب وجيه أو مبني على أسس. فبدلاً من أن يسهم الأعضاء في حل قضايا المجتمع التي مازالت ترزح تحت وطأة الجهل، والرجعية والتخلف والتسلط والعادات البالية، زادوا من تعطيلها بأفكار سلبية تشدها نحو الأسفل.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تعمد بعض الأعضاء عرقلة التوصية التي تطالب بدمج هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، واستمات البعض الآخر بالذود عنها، بالادعاء أنها غير نظامية تارة، وضد نظام الحكم تارة أخرى ، حتى بعد أن تم التقدم بمذكرة قانونية تفند وتوضح تلك الاعتراضات الواهية، أصر هؤلاء على خنق التوصية لقتلها، مثلما فعلوا في توصيات بديهية سابقة.
وما أصبح يحدث مؤخرا من تصرفات في أروقة المجلس، أوصلت بعضهم إلى إخفاء التوصية من أجهزة الكمبيوتر، ومن ألغاها أو أخفاها من الأجهزة، كان لا يفكر من الأساس، بأنها طُبعت في نسخ ورقية ووزعت على الأعضاء مسبقاً، ومن لا يستخدم رأسه استخداما مفيدا، لا ينبغي أن يبقى في الشورى ثلاثة سنوات أخرى، فقط لأن هذا ما ينص عليه نظام العضوية، بل علينا أن نُحدّث أنظمة العضوية لتتناسب مع تحديات الوضع الراهن.
وما يثير الشفقة حقاً، أداء المتحدث الرسمي لمجلس الشورى الذي نفى إدراج تلك التوصية، التي اتفق المجلس على تأجيلها للتقرير القادم بعد ثلاثة أشهر، مصراً على رأيه، وجميع الشواهد تُكذبه. فإذا كان المتحدث الرسمي يتعمد تضليل المجتمع، في زمن أصبحت فيه دقة المعلومة من التحديات المهنية، من الأفضل أن تُسقط عضويته دون مجاملة، فأداء أعضاء المجلس يتطلب مهنية عالية.
وهذه ليست المرة الأولى التي ينفي ويُغيب فيها المتحدث الرسمي للشورى الحقائق، فبعد أن دعم عشرات الأعضاء في الدورة السابقة والحالية توصية القيادة، وطالبوا بأن تكون الرؤية واضحه حيالها، نفى المتحدث بأن المجلس تلقى توصيات تتعلق بقيادة المرأة، وهذا أمر يُفقد احترام وثقة الآخرين به، ولأن أداء المجلس حيال هذه القضية كان محبطا وهزيلا، حسم الملك الأمر فمن الأجدر أن يشعر المجلس الآن بالخجل من أدائه المتخاذل.
هذا ناهيك عن مشروع هام مثل «نظام مكافحة العنصرية وبث الكراهية»، الذي تحتاجه كل المجتمعات المتقدمة لتبقي على استقرارها، والذي مازال يقضي شهوراً في أروقة اللجان، التي تتعمد التأني لدراسته، مع أنهم أعلنوا أنه جاهز وتم الانتهاء منه، فلم كل هذا التردد!
وحين تنفسنا الصعداء بتقديم توصية لتعديل المادة 77 من قانون العمل والعمال، وشعرنا بأن الشورى بدأ بمواكبة هموم الشارع السعودي، سحب المجلس التوصية لدراستها بشكل مكثف وأفضل، دون أن يفكروا بمصير آلاف المتضررين الذين يعيشون دون دخل شهري، ينهشهم الخوف من فقر الحاضر ومهددين بمستقبل شديد السواد.
حتى حين طالب أحد الأعضاء، بإبقاء بدلات العسكريين بعد تقاعدهم، لأن رواتبهم الأساسية تعتمد على البدلات، التي تسقط من الراتب بعد التقاعد فلا يبقى لهم ما يكفيهم، لم يتفاعل أعضاء المجلس على تقديم توصية تُعيد هيكلة سلم رواتب العسكريين تعنى برفع رواتبهم، وتحسين حياتهم، لضمان حياة كريمة لهم قبل وبعد التقاعد. وحتى قانون التحرش البديهي الذي اعترض عليه بعض الأعضاء واعتبروه تشريعا للزنا، واستمات البعض الآخر لتعطيله، مازال يرزح تحت وطأة الرجعية في المجلس، وأصبحنا ننتظر الملك في كل مرة ليحسم بنفسه كثيرا من القضايا، لأن المجلس للأسف أصبح من أهم أدواته التعطيل.
ولأن العضو غير الفعّال في المجلس لن يقدم طلب إعفائه من العضوية كما تنص الأنظمة، لأن طلب الإعفاء سيعرض في النهاية على الملك، وهذا بحد ذاته تدمير لبريستيج العضو الذي لن يعترف بأنه يؤخر قرارات عظيمة. أصبح من واجب مجلس الوزراء الرفع بتعديل أنظمة العضوية، لإنهاء عضوية الأعضاء والعضوات الذين يعتقدون أن الأربع سنوات «رحله برية» يستمتعون فيها بالصيت، ويحرجون الدولة بسوسة النخيل وفوضى الحروب الإيديولوجية الطاحنة، فلا يوجد مزيد من الوقت لإضاعته.