غدا تعود عجلة المدرسة للدوران مجدداً بعد توقف هو الأطول ربما منذ مدة ليست باليسيرة.
وسط صخب كبير وموجة عدم رضا عن قرار وزير التعليم بإضافة ساعة لممارسة الأنشطة، تلك الموجة العارمة من السخط للمعلمين عكسها وصول الهاشتاق المعترض على القرار (ترند) بعد ساعات قليلة من إعلانه، هذا الرفض ينبئ عن مناخ غير جيد، وحالة الرفض تجعل من انطلاقة عجلة العام بتسارع طبيعي أمراً عسيراً وبالغ الصعوبة، مؤكدا أن المدارس غير مهيأة في الغالب لقرار كهذا، خصوصاً في ظل ضعف الميزانيات والمباني المستأجرة، وقبل ذلك ضعف تأهيل المعلم الذي سيصبح مطالباً بتقديم برامج، واقتراح قوالب حديثة لتقديم أنشطة تتوافق مع ميول الطلاب وتفضيلاتهم، وتنجح في اكتشاف مواهبهم وإغناء خبراتهم، وإنضاج شخصياتهم، وهذا مبحث طويل، ويحتاج الكثير من الحديث حوله، لكن المؤكد كذلك أن القوالب التي صُبت فيها برامج الأنشطة الطلابية قديمة جداً، ولم يجر عليها أي تغيير، فتحولت من قوالب كانت تتميز بجاذبيتها في تلك الأيام التي تم اقتراحها إلى قوالب مملة وغير جاذبة لم تعد تُثير جيلاً رأى الحياة من خلال التقنية، وأصبح اليوم نتاجاً طبيعياً لها.
وهذا ما يجعل مهمة معلم اليوم عسيرة جداً وشاقة أكثر من ذي قبل في اجتراح قوالب مناسبة للبرامج التي تحقق غايات هذا التوجه.
مشقة مهنة التعليم أثبتها الشيخ علي الطنطاوي ـ عفا الله عنه وسامحه ـ حين كتب عن مهنة التعليم ناصحاً أحدهم بما نصه:
«لا يا ولدي، لا تحرص على هذه المهنة، اتركها إن استطعت فهي محنة لا مهنة، هي ممات بطيء لا حياة، إن المعلم هو الشهيد المجهول الذي يعيش ويموت ولا يدري به أحد، ولا يذكره الناس إلّا ليضحكوا على نوادره وحماقاته».
ترى ما الذي يدفع شيخاً ومفكراً وعالماً بحجم الطنطاوي إلى الحديث بهذا المنطق؟
في تقديري كان الطنطاوي هنا رغم غرابة ما كتبه طبيعيا، فهو يقدم توصيفا لمهنة تصنف على أنها من المهن الشاقة في أكثر النماذج التصنيفية للمهن في أكثر البلدان، ومنها النموذج الأوروبي لتصنيف المهن، فهي تأتي مع عمال الحفر والمناجم والتنقيب من حيث المشقة، وهي في حقيقتها أكثر صعوبة من مهمة عمال المناجم ومن يمتهنون التنقيب عن البترول والحفر، كونها تجمع بين أعمال المسح والحفر والتنقيب، ولكن ليس في الأرض الصماء وأعماق الصحارى، بل في عقل ووجدان الإنسان، ومن هنا تنبع المشقة.
الطنطاوي في تقديري كان خبيرا بطبيعة التعليم عالما بمشقته، لذا جاءت عباراته توصيفا دقيقا لمهنة شاقة جدا، لا يقدر على الوفاء بمتطلباتها والصبر عليها إلا أولو العزم من المعلمين، ومن نذر نفسه لها ولتقبلها كما هي وتحت كل الظروف والمتغيرات، تلك المهمة تزداد صعوباتها يوماً بعد آخر.
يؤكد هذا الواقع زيادة نسبة طالبي التقاعد في السنوات الأخيرة، وضعف دافعية المعلمين، وهذا ما ينبئ بعزوف أكثر عنها، وقد نجد أنفسنا أمام حقيقة «انقراض المعلم السعودي، والعودة إلى سياسة استقدام معلمين من الخارج».