التقيت قبل أيام بشخصية أقل ما يقال عنها إنها مرحة مفعمة بالحياة متطلعة للغد بشكل يجعل من أي تشاؤم حالة إنسانية غير مقبولة، هذا الشخصية ارتسمت على محياها آثار الظروف والقدر وعلى باقي منظره الخارجي تشكل ما بقي من أيام كان فيها في مكان لا يشبه مكانه اليوم.
صابر نصري هو اسمه الحقيقي و«سايبر روك» هو الاسم الذي أطلقه عليه جنود الجيش الأميركي الذي عمل معهم مترجما لسنوات قبل أن يقع في فخ تفجير استهدفه من قبل طالبان والقاعدة في هيلمند وأدى إلى بتر خمسة من أصابع يديه وتشوهات في وجهه وجسده، مما تطلب عمليات طويلة وشاقة لإنعاشه وإعادته للحياة بأمر الله.
قصته التي تحولت إلى فيلم وثائقي حمل اسم (Saber Rock) يحكي قصته الفريدة بشهادات الجنود الذين علموا معه والقيادات التي أسهمت في هجرته للولايات المتحدة، بعد أن ثبت أنه أصبح على قائمة المستهدفين بالاغتيال هو وأسرته من قبل القاعدة وطالبان، خصوصا بعد أن تمكن من البقاء على قيد الحياة بعد محاولة اغتياله الأولى.
أتحدث عن صابر هنا ليس فقط لكونه شخصية أثارت بي فضول الكاتب الباحث عن القصص والتجارب الملهمة والإنسانية، بل لأنه كذلك أسرني في نظرته المتفائلة للحياة رغم صعوبتها له ولأسرته الصغيرة، ولكونه من اللحظة الأولى التي التقينا فيها في واشنطن لم يكف عن الحديث عن قناعته بأن الحرب ضد الإرهاب والتطرف ليست فقط حربا عسكرية، بل هي حرب أفكار وضمائر، وأنه رغم تمتعه اليوم بحياة آمنة حيث يعمل كمحلل مع وزارة الدفاع الأميركية لشؤون أفغانستان، ويسكن في بيت مريح مع زوجته وابنه، إلا أن أفغانستان ما زالت تسكنه، ليل نهار، وحبه لوطنه المنهك منذ عقود لم يمنعه من وصفه بأنه أجمل بلاد العالم.
في الفيلم الوثائقي يمكن رؤية صابر وهو يدرس الأطفال ويرشدهم بطريقته البسيطة والمرحة عن أمور الحياة، وفي كل صورة تظهر له وهو واقف مع جنود أميركان لا يمكن لك إلا أن تتساءل عن حجم الثقة التي يظهر عليها ذلك الرجل القصير وسط العمالقة، سلاحه بينهم الكلمة والقدرة على إقناع الأفغان، وقوة حجته في دحض منطق الإرهاب في عقول الأطفال.
صابر مثال يشبه كثيرا من الرجال الذين همهم الأوحد هو مناهضة الفكر الضال والدفاع عن أوطانهم من أرباب الإرهاب والفكر الظلامي، وأنا على قناعة تامة بأن في صفوفنا مئات الـ(صابر) ممن لم تظهرهم لنا كاميرات الوثائقيات بعد، وعليه فإنه من واجب صناع الأفلام السعوديين والقيادات المعنية بشؤون المقاتلين في قواتنا المسلحة أن يبدؤوا في التفكير جديا في توثيق قصص بطولات جنودنا، وإعطاء كل نموذج بطولي حقه من التقدير، والاعتراف له بالامتنان أمام الوطن نظير تضحياته.
أن تمتلك القدرة على الابتسام والتفاؤل وأنت ضحية لقبح الإرهاب تتطلب إيمانا قويا بالله وقدرة على تجاوز الماضي، وشعورا بالرضا الداخلي بأن التضحيات لم تذهب سدى، فليكن لأبناء الوطن المبدعين لدينا إسهام في رد الجميل لأبناء الوطن الشجعان.