أعلم أن هناك معلمين يعدون نماذج رائدة وقد رأينا مبادراتهم وإنجازاتهم ، بيد أن القضية في أولئك المفلسين في كثير من الجوانب العلمية والثقافية والإنتاجية

الهياج الذي أحدثه الأستاذ قينان الغامدي في بعض المعلمين والمعلمات الذين أشار إليهم في مقالاته والذين تصدوا للرد عليه في السوشيال ميديا.. فضحتهم ردودهم -الإخوانية/‏‏ السرورية- ومنها ما ذُيّل تحت مقالتيه في هذه الصحيفة.. هم لم يغضبهم اتهام قينان لهم بالفشل والكسل وانعدام الثقافة والإنتاجية وغيرها، لكن السبب الحقيقي وراء غضبهم يكمن في أن قينان أقلق مضاجعهم (الإخونجية والسرورية).
سلاح الأستاذ قينان، الكلمة الصادقة التي تهز معاقل الحزبية وتخترق جدرانهم المتهالكة، وتقض كهوف تورا بورا المعششة في عقول تتدثر بشماغ وعقال، لكنهم حين تهزهم الكلمة، تسقط الأشمغة وتتعرى تلك العقول المغلقة لتنكشف معالم قندهار وتتطاير أوراق التيارين؛ «القطبي والسروري».
لقد كشف قينان بوطنيته عورات الحزبيين في مقالات عديدة، فلم يستطيعوا الرد لأن لا يثبتوا على أنفسهم الانتماء الحزبي، فانتظروا حتى جاءت قضية المعلمين والتعليم الذين هم يتربعون على عروشه منذ أن اختطفه بعضهم محليا ضمن اختطافهم المجتمعات العربية، فكريا، من المحيط إلى الخليج.
غالبية المعلمين قبل غيرهم يعلمون يقينا بأن أهم حلقة وأضعف حلقة في التعليم هو طاقم التعليم نفسه الذي لا يستطيع أحدهم أن يجاري إنتاجية وتعامل ولباقة موظف سعودي في مؤسسة/‏‏ شركة، والذي يعمل ضعف ساعات زميله المعلم السعودي ويعيش وسط المخاطر المتعددة الأشكال، منها مخاطر مالية كموظفي المؤسسات المصرفية، ومخاطر صحية كمنسوبي المنشآت الصحية، ومخاطر أمنية كمن يتصدى للمجرمين والمهربين والمفسدين والإرهابيين، ومواقع تجتمع فيها المخاطر الصحية والأمنية كالمعامل والمنشآت النفطية والغازية والكهربائية.
أعلم أن هناك معلمين يعدون نماذج رائدة وقد رأينا مبادراتهم وإنجازاتهم ، بيد أن القضية في أولئك المفلسين في كثير من الجوانب العلمية والثقافية والإنتاجية. تعوزهم النموذجية التي يتعايش معها الطالب فيرى في معلمه/‏‏ته مثله الأعلى وقدوته في حب العلم والثقافة والنهم في الاطلاع ومواكبة روح العصر المعرفية.
إن الطالب ينسى تفاصيل المناهج الدراسية، لكنه لن ينسى معلمه من حيث السلوك الإيجابي أو السلبي، من حيث كونه نبراسا في النموذجية أو موغلا في السذاجة، في كونه ذا مثل عليا أو العكس، من جهة تجمله بالحب والخير والجمال أو تدنسه بالكراهية والحقد والضغينة، من جهة الرمزية في القيم والمبادئ أو الشذوذ فيها، كل هذه وتلك وغيرها ستَعْلق في ذهنية الناشئة وستبقى تحاصر مخياله ما دب على الأرض.
يتفق الجميع في أن المعلم هو الركن الرئيس في المنظومة التعليمية، وهو الحلقة الأقوى والأهم في النجاح أو الفشل.. وعليه، فإن الحكم أمام المجتمع بأسره، فيما إذا كان التعليم لدينا ناجحا أم غير ذلك!!. ولنضع المقارنة بين شبابنا وبين شباب دول الشرق والغرب، ليس في الجانب التحصيلي فحسب، بل والسلوكي، في الحياة العامة أو الحياة المهنية. يتجلى ذلك في وجود أو فقْد؛ تقدير الآخرين واحترام الأنظمة والقوانين والممتلكات الخاصة والعامة، فضلا عن البشاشة وإلقاء التحية.
إن من المؤسف أن يركز كثير من المعلمين على مسألة المبنى، متناسين أنهم هم من يدرس المادة وليس المبنى، نسوا أن المعلم لا المبنى هو القدوة والنموذج. ثم ماذا عمن سبقهم من أجيال، تعلمت وعلّمت في مبان طينية وحجرية وفي الخيام والعراء، وهناك دول إلى هذا اليوم بتلك الحالة من قلة الإمكانية، ورغم هذا، ما زلنا نستقدم منها المعلمين والمحاضرين والمهندسين والأطباء والخبراء!
مما لفت نظري؛ مطالبة البعض بقصر إجازات المعلمين على شهر وإشغال بقية الأيام في دورات تطويرية للمعلم يتعلم فيها كيف يعلم! وهو مطلب عملي في نظري، حيث يتحصل في هذه الأوقات على معارف جديدة في المجال التعليمي علاوة على تنشيط الذاكرة والمعرفة بما سبق أن تعلمه في مجاله التعليمي. إن الشركات الكبرى الناجحة لا تقتصر على الدورات الأساسية والدورات المستجدة، بل تعمل على إعادة الكثير منها للموظف بين فترة وأخرى من مبدأ التنشيط الذهني والبدني، ولن يكون أفضل للمعلم من فترة عطلة الطلاب الصيفية ليتلقى أثناءها تلك الدورات التطويرية.
تكمن المعضلة في الحرس القديم الحزبي المناكف في المؤسسة التعليمية،  فهم يقفون عصاة أمام كل مصلح، وعقبة في طريق جُل المشاريع الإصلاحية، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها تجاه كل عملية تجديد وتطوير في مجال التعليم ليبقوا في منطقة زمكانية من القرون البائدة. وإمعانا في صرف النظر عنهم، فهم يكرسون مفهوم العوامل المادية كالمباني والمُناخ التعليمي، بأنها هي مشكلة التعليم وليس نوعية المعلم بالدرجة الأولى يليه المنهج!
المؤسف؛ أن نرى ما يوحي بالتكفير لشخص الكاتب وادعاء محاربته الدين، وليس لغرض إصلاح التعليم، وفق تعقيباتهم على المقالين آنفي الذكر والصادرة من بعض منسوبي التعليم أو مخرجاته.
لقد رأينا نماذج سيئة في مواقع التواصل الاجتماعي من منسوبي الحقل التعليمي، العام منها والأكاديمي، تنهج الفكر المتشدد، وآخرهم أكاديميون تشفوا بما أصاب أميركا من إعصارات وادعوا علم الغيب حين رأوا أن ذلك عقوبة إلهية، افتئاتا على الله وتجنيا ودخولا في أحكامه تعالى على أرضه وسمائه وخلقه. هذه العينات في منظومتنا التعليمية تربي الناشئة على ثقافة الكراهية والبغضاء والتكفير وحب الانتقام وكل صنوف الخُلُق السيئة تجاه المخالف لهم، مسلما كان أو غير مسلم.
لن ترى البشرية ولا الأوطان أسوأ من الحزبية (الإخوانية والسرورية) وهي ترتدي رداء الدين وتقتحم أهم ركيزة في المجتمعات وهي المؤسسات التعليمية، ليعيثوا ضلالاً في عقول العباد. أولئك هم سبب فشل الأوطان وخيبة المجتمعات.