اشترطت وزارة الصحة على الحاج أن يكون قد خضع للقاحي الإنفلونزا الموسمية والحمى الشوكية Flu and meningococcal vaccines وهذا جميل جدا ومطلوب، إذ إن الحجيج يكون بينهم من قدم من مناطق مستوطن فيها هذا الفيروس الذي تعد الإصابة به حالة طبية طارئة؛ فجهد وزارة الصحة المذكور آنفا كبير وتستحق الشكر عليه.
المشكلة هي أن الوزارة اشترطت تحصين الحاج، لكن آلية تحقيق هذا الشرط له يعتريها بعض العيوب.
فعندما يذهب إلى مركزه الصحي الذي هو تابع له ولديه فيه ملف صحي «ورقي» بعد الساعة الحادية عشرة ظهرا فلن يجد اللقاح غالبا؛ ويجد مدير المركز يعتذر له قائلا: «خلصت اللقاحات».
عندما يمد التموين الطبي منطقة إدارية كاملة مستودع مراكز الرعاية التي تربو على 50 مركزا صحيا فيمد المستودع بـ 100 لقاح يوميا فقط، فكم سيكون نصيب كل مركز صحي من هذه الكمية الضئيلة؟!
يأتي بعد ذلك هذا المستودع الذي يمون المراكز الصحية فيزود المراكز الكبرى العشرة فقط والتي اعتمدها للتطعيم، فيزود المركز الوسطي الذي يغطي ما يزيد على 18 ألف نسمة بما يتراوح بين 20 و 25 جرعة لقاح يوميا، ويمد بعض المراكز الطرفية بما لا يزيد على 10 لقاحات على أعلى التوقعات، فمن هذا يظهر خلل واضح في آلية توفير اللقاحات ابتداء وتوزيعها انتهاء وطريقة حساب المستهدف.
كما أن الكثير من هؤلاء المرضى «قليلي العدد» يتلقى جرعة التحصين للحمى الشوكية في الخامس أو السادس من ذي الحجة، وهذا خطأ طبي واضح، إذ إن لقاح الحمى الشوكية meningococcal vaccine يستغرق من 7 إلى 10 أيام حتى يكون فعالا في جسم الشخص ويعمل عمله في جهاز المناعة؛ وهذه المدة كفيلة بأن يكون الحاج قد عاد من حجه ولم يتفعل اللقاح في جسمه بعد..
الجدير بالذكر أن مفعول لقاح الحمى الشوكية يستمر 4 سنوات من تاريخ التحصين إلا أن بعض المرضى يأتي ليأخذه وقد سبق له أن أخذه في مدة أقل من 4 سنوات جهلا منه بهذا الأمر.
إن مرض الحمى الشوكية عبارة عن التهاب في الأغشية التي تحيط بالدماغ والحبل الشوكي، لذا يعد من الحالات الطبية الطارئة يعاني فيه المريض من الصداع 90% المقترن بتيبس وألم العنق 70% والتقيؤ واضطراب الوعي وعدم تحمل الضوء أوالصوت.
الحل لمثل هذه الإشكاليات هو أن تفعل في المراكز الصحية «الملفات الإلكترونية» التي تربط جميع المراكز الصحية في المملكة بشبكة موحدة؛ ومنها يتبين هل سبق أن أخذ اللقاح أم لا، وهل لدى الحاج أو غيره ما يمنع من أخذه، وهل يعاني من أمراض أو حالات مصاحبة؟ كما أن عمل استقصاء سكاني قبل الحج بفترة كافية عن طريق «الملف الإلكتروني» ذاته عمن ينوي أداء فريضة الحج لحصر العدد أمر بدهي مطلوب؛ خصوصا مع المرضى «الزوار» الذين يأتون إلى المركز بدون ملف يوضح فيه التاريخ المرضي والإجراءات الصحية التي تمت للمريض.
ولا ننسى -خصوصا في ظل الوضع الحالي في غياب الملف الإلكتروني- أن التوعية والتثقيف الصحي للمجتمع بشأن مدة عمل اللقاح خصوصا، وبآثاره الجانبية وغيرها، وهذا أمر مهم جدا يوفر على الدولة هدر اللقاحات وإعطاءها لشخص ليس بحاجتها.
ومن هذا سيتم تحصين فئة كبيرة جدا إن لم تكن جميعها، وتوفير العبء على المراكز التي وضعت في المشاعر المقدسة وبعض المطارات التي تستقبل الحجاج وتفريغها لمواجهة الحالات الطارئة والإسعافية.
التحصين الصحيح للشخص المحتاج في وقت كاف أمر يوفر المليارات ويحفظ حياة الملايين.