يَعُد الباحثون فترة الستينات وبداية السبعينات الفترةَ الذهبية للمعلم في بريطانيا، والتي قضت عليها ما يسمى «الليبرالية الجديدة»، والتي أخرجته من الجنة بملابس النوم على يد السيدة تاتشر بأنظمة وقرارات ابتدأت بالرخصة والسجل الجنائي والشهادات العليا والتدريب الذي يقنع الوزارة بالسماح بإعطائه لقب معلم، يستحق به مميزات عظيمة، أولها راتب يبدأ من 12 ألف ريال، وإجازات متعددة طوال العام.
التنظيمات التي وضعتها حكومة المحافظين، لم يستطع جيش المعلمين الاعتراض عليها، لأنها منطقية جدا، لكنهم اعترضوا على قرارات أخرى تمس التعليم، مثل إلغائها وجبة الحليب المجانية، وواصلوا تجييش المجتمع ضد تاتشر، لكنها لم تبال، ومضت في مشروعها الذي تطور حتى وصل إلى ما يسمى «المدارس المستقلة»، والذي يصبح كل مدير مدرسة وزيرا للتعليم، بل وزيرا للخدمة المدنية، يفصل ويعيّن ويراقب ويصرف الميزانية.
في السعودية، حاولنا فأصدرنا قرارا عظيما، بضرورة خضوع المعلمين لاختبارات قياس قبل التعيين، وكنا رائعين جدا ونحن نضع 70% شرطا للاجتياز، ولم يجتز سوى القلة، لم نصر على قرارنا، بل قامت الوزارة بعرض تخفيض ضخم بعد حملة ضدها، انتهت بأن رضينا أن يدرس طلابنا معلم قدراته 50%، وبدأنا تبادل الاتهامات مع كليات التربية التي تعاني هي نفسها من أساتذة نعرفهم كلنا، ونعرف مستوى تدريسهم.
ثم جاء القرار التاريخي برخصة المعلم، والذي يخضع لها كل المعلمين في العالم حتى في بوركينا فاسو، وهذه المرة لم يهاجمه المعلمون، بل بدأ الرعب من داخل الوزارة نفسها، فضغط المشرفون الذين يبدو أنهم يعرفون قدر أنفسهم، على القيادات العليا باستثنائهم من الرخصة، وللمرة الألف وافقت الوزارة، بل قامت بتجميد موضوع الرخصة، وتركت أطفالنا ومستقبل المملكة في مهب معلم فاشل أو مريض نفسيا أو مدمن مخدرات.
ما ورد أعلاه مجرد نموذج لغياب القوانين الحاسمة والقرارات القوية التي كانت ستصنع الفرق، وتبدأ بالتعليم بداية جيدة، وتطرد بعض المعلمين الذين يظنون أنه مهنة لا حسيب ولا رقيب من ميدانه، وتجبر الجميع على رفع كفاءتهم والالتزام بمهنتهم، لكن القرار القوي لا يصمد دون وجود «تاتشر».