لا شك أن التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي غيرت حياتنا وسهلتها، وأضافت بعداً جديدا من الرفاهية والمعرفة. أصبح كل شيء سهلا لا يحتاج لعناء. من جهازك الجوال وبلمسات بسيطة طعامك يأتيك حيث كنت، تحول مبلغا من المال لشخص بأقصى مكان بالعالم، تبحث عن معنى كلمة غريبة، تبيع، تشتري، تطالب بحق من حقوقك، تسأل عن أعراض مرض ما.
الآن تستطيع أن تفعل كل شيء وأنت مرتاح في مكانك. ولكن لكل شيء ثمن. سابقاً كانت دوائرنا الاجتماعية بسيطة، فهي لا تتعدى الأقارب والجيران، والناس الذين نعرفهم ونعيش بينهم. أما اليوم فسنحزن إذا قتل مبتعث سعودي في الصين. وستحن قلوبنا لفيديو طفلة في قرية بعيدة تستجدي الناس أملاً في العلاج. بل إننا نغضب من مهووس قتل قطة ببشاعة في الهند.
اليوم لا يمكنك تجنب الأخبار السيئة والحزينة، فهي تلاحقك في كل مكان. حتى وإن عزلت نفسك عن التقنية فإن هذه الأخبار ستأتيك من أقرب الناس إليك. نحن نزف التعاسة كالبشرى، نتلذذ بنقلها وسنتسابق عليها. حسابات مخصصة للوفيات، حسابات مخصصة للمرضى، حسابات مخصصة للحوادث، حسابات مخصصة للمساجين.
لست ضد وجودها، ولكن حتى تعرف الثمن الذي ندفعه مقابل هذه التقنية والرفاهية.
قبل مدة بسيطة توفيت فتاة لا أعرف عنها إلا معرفها بتويتر «سهر الليالي»، لم أكن أعرف حتى اسمها الأول، ولكنها كانت دائما حاضرة بتعليقاتها وردودها وحبها لبلدها. كانت تحمل هم الوطن ولم أكن أعرف همها مع المرض. حزنت لوفاتها وحزنت أكثر عندما عرفت أنها أم لفتاة صغيرة لم تتجاوز بضع سنين. كيف نحزن لمصيبة شخص لا نعرف عنه شيئا! هذا هو الثمن الذي ندفعه.