من الصعب أن يكون كل أفراد أي مجتمع على قلب رجل واحد، لكن من السهل أن يجمعهم قانون واحد واضح، يجيدون لغته ويتجاوبون معه، هذه هي الثقافة التي تصنع الأوطان المترابطة
ما الخطر الثقافي الذي نواجهه اليوم؟ وما دور المثقف الآن؟
ببساطة، التنوع الثقافي الذي نعيشه ويميزنا يحتاج إلى ثوابت أخلاقية لا يخترقها سوء تأويل، ولا قلة فهم، ولا إنسان جاهل يدّعي أنه يحمل الدكتوراه بيد ومفاتيح الجنة والنار بيده الأخرى!
أسهل تجارة رابحة الاتجار بالدين والقيم والإفساد بين مكونات الوطن، بحجة أهديكم سبل الرشاد، وهذا الزاعم يفتقر إلى المؤهل العلمي، أو حتى إلى الوعي بما يهرف به دون أن يعرف، ما أسماه أحد الكتاب بـ«زيف ثقافي» يتلبس بالدين تارة، وبالأدب تارة، وبالفلسفة تارة أخرى، فيفرض المتحدث نفسه منظّرا، وينقل من خلاصة الخلاصة حتى يتحول حديثه إلى اختصار مُخلّ بالوعي والعقل والمنطق، لأنه فاقد للتمييز!
والأسوأ لو قاد كلامه إلى خلق مشكلة بين بلدين أو شعبين، فيصبح كلامه محسوبا على مثقفي البلد وكُتّابه وعلمائه المعتبرين.
ما الذي تفعله الثقافة بالإنسان؟ أو ما الذي يشكل ثقافة كل إنسان؟ ومَن المثقف؟
كثيرا ما تستخدم كلمة «مثقف» في سياق أنه الإنسان المنغلق على نفسه، والبعيد عن هموم وأدوار يجب أن يقوم بها، وتستخدم أحيانا كمسبة ضدك فيقال: أنت مثقف وتفعل كذا، أو تقول كذا، أو تجهل هذا أو ذاك؟!
الواقع أن كل إنسان مثقف بطبعه، أو مطبوع بثقافة محيطه، فمن وُلِد في محيط يقرأ سيجد الكتاب صديقا، ومن حمل والده ريشة ورسم سيكون الفن رفيقه، ومن كان يعيش محاطا بأصدقاء السوء فثقافته تنبع من ثقافتهم، وكل ما يصب فيها حتى بلغ الأمر ببعضهم هذه الأيام وقبلها أن قاموا بتشويه جداريات وأعمال فنية، بغرض الإساءة إلى أصحابها والعبث الأهوج!
ولو أردنا تحرير المصطلح، لقلنا إن هناك ثقافة أساسية يجب أن يتحلى بها الإنسان، ونتصالح جميعا عليها، وهي مختلفة عن ثقافتنا الخاصة، لأنها ثقافة عامة تنبع من انتمائنا إلى مرجعية تحترم القيم، هذه الثقافة هي التي جمعت الكويتيين على قلب رجل واحد ودمعة واحدة في رحيل الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا «رحمه الله»، وموقف ثقافي حازم عبّر عنه النائب العام عندنا، هذا الموقف استحضر مواقف سابقة للكويت، تصدت فيها لمن أساء إلى المملكة ورموزها. هي ثقافة إخوة في الدم، وجيرة في الأرض، وكان الكويتي والسعودي إخوة دائما.
لو عدنا إلى قانون تجريم الطائفية والعنصرية بمجلس الشورى، قبل أكثر من عام، وصوّت بعض أعضاء المجلس معه وأكثرية ضده، منذ ذاك الحين لليوم ابتُلينا بمواقف فردية مستفزة، فيها تهجُّم من جهلاء على بعض مكونات الوطن، حوسب بعضهم أمام القضاء، ونجا كثيرون لأنهم لم يجدوا من يرفع دعاوى ضدهم.
ثقافة التخوين، والهجوم على الناس، ووصفهم بصفات الكفر والطغيان والبغي والإجرام، بل حتى الوطنية، فيقال فلان وطنجي وتعدّ مسبة! مع أن كلمة «جي» التركية تعني صاحب فلا تجتمع الكلمتان وتكون مسبة!
اليوم، القانون بحاجة إلى إقرار، كما أقرت وزارة الداخلية للأم سجل الأسرة الخاص بها وبأبنائها قبل أن ينتهي النقاش حوله في المجلس، فكان المجلس أو الأعضاء الواعون بالمجلس بقعة ضوء.
وكم كتبنا وقلنا، إننا نعيش اليوم مع تحولات تخدم رؤى المستقبل، فمنذ تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز الأمرَ، اتضح أن المحاسبة لا تستثني كبيرا ولا صغيرا، وأن هناك قوانين تسن وحقوقا تُقرّ، آخرها حق المرأة في حضانة أبنائها، وهو من أهم الحقوق التي كانت الأم المطلقة والأرملة تعانيان الأمرّين في حال حدوث نزاع على الحضانة.
نحتاج ثقافيا إلى لغة الاحترام التي تفرض بسلطة القانون من جهة، ونحتاج إلى تفعيل الوعي الحقوقي بقيم الإنسان والمواطنة من جهة أخرى، فحين يصل هذا الشاب أو هذه الشابة ليكونا في مجلس تشريعي، فيمكن لهما أن يفرقا بين الحق المعتبر والفهم الخاص.
أتمنى من جهة أخرى، أن تكون الوطنية هي المشروع الذي نحتفي به في اليوم الوطني، لنشعر جميعا بأن الآخر له من الحق والاحترام ما لي، مهما كانت درجة اختلافه عني، ولنحترم حق الإنسان ألا تنتهك خياراته كاميرا تتلصص عليه، ولا تجابه حقوق النساء برفض من بعض أشباه الرجال بحجة أو بأخرى، ولا يطالب بتأجيل حقٍ سدا للذرائع.
من الصعب أن يكون كل أفراد أي مجتمع على قلب رجل واحد، لكن من السهل أن يجمعهم قانون واحد واضح، يجيدون لغته ويتجاوبون معه، هذه هي الثقافة التي تصنع الأوطان المترابطة، ولسنا أقل منها في هذه المرحلة أبدا، حتى تصبح مرحلة الزيف التي تؤرقنا اليوم مجرد أضغاث أحلام.