ما زال هناك عدد كبير من المهندسين السعوديين عاطلين على العمل، وتقول الإحصاءات الرسمية إن عددهم 1500 مهندس تقريبا، ولكن هذا الرقم في الواقع ربما يصل إلى الضعف

المهندسون السعوديون حديثو التخرج، تتنافس الشركات الكبرى «أرامكو وسابك والكهرباء والمياه» على المتفوقين منهم والحاصلين على تقدير الامتياز، وتمنحهم هذه الشركات المميزات المالية الجيدة والتدريب والثقة والمهام الوظيفية التي تمنحهم الخبرة وتصقل تجاربهم، بل وتصنع منهم قادة للمستقبل، وربما يكون أحدهم مستعدا لقيادة أهم أقسام الشركة أو الشركة بأكملها خلال سنوات قياسية. أما بقية خريجي كليات الهندسة والحاصلين على تقدير جيد جدا، وجيد، ومقبول، فإنهم يبقون عاطلين ولا توظفهم أي من الشركات السعودية أو الأجنبية العاملة في السوق السعودي، رغم أن عددهم قليل جدا مقارنة بعدد المهندسين الوافدين العاملين في القطاع الخاص.
تقول إحصاءات الهيئة السعودية للمهندسين، إن عدد المهندسين المسجلين لديها حتى عام 2015 بلغ 230914 مهندسا، النسبة الكبرى منهم من المهندسين الوافدين، وعددهم 212897 مهندسا، بنسبة 92%، و8% فقط عدد المهندسين السعوديين، وهي نسبة قليلة جدا، ولكن الشركات لا توظفهم أولا وثانيا وثالثا، لعدم ثقتها في المهندس السعودي، ورابعا لأنه أعلى تكلفة من المهندس الوافد، وخامسا لأن هذه الشركات، خاصة الشركات الأجنبية، لا تحمل هَمّ بناء المجتمع السعودي، ولو بأبسط الأشياء، وهي دمج المهندس السعودي في منشأتها وتدريبه ومنحه الخبرة باحتكاكه بالمهندسين الأجانب، أصحاب الخبرات الطويلة. وسادسا هُو غياب القانون الذي يجبر هذه الشركات على توظيف المهندسين السعوديين الذين يصطدمون بمجرد تخرجهم بواقع يَرَوْن فيه شركات تُعقّد عليهم شروط التوظيف، وتطلب منهم خبرة رغم أنهم حديثو التخرج.
وكان معظم الشركات العاملة في القطاع السعودي، لا يعمل لديها ولو مهندس سعودي واحد، ونسبة المهندس الوافد 100%، حتى فرضت وزارة العمل بعض القوانين لحل هذه المشكلة، بفرض نسبة سعودة للقسم الهندسي على الشركات، فقامت هذه الشركات بتوظيفهم على مضض فقط، لتحقيق شروط وجودها في السوق السعودي.
وتوظيفها لهم لا يعني أنها تمنحهم المهام الوظيفية والثقة، بل توظفهم وتتركهم بعيدا عن أعمال شركتها، ورأيت بنفسي إحدى الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط، وهي توظف عشرات المهندسين السعوديين، ويعملون لديها لفترة تفوق السنة كاملة دون أن يقوموا بأي مهمة وظيفية، ودون أن ينقلوهم إلى الميدان لتنفيذ المشروع الذي تقوم به الشركة، بل حشرتهم في مكتب، ووفرت لهم الإنترنت، وكأنها تقول لهم: أنتم لا تستحقون أي مكان بيننا، وأنتم مجرد أعداد وأرقام في سجلاتنا أمام الجهات الحكومية، حتى لا نتعرض للعقوبات، ويستمر مشروعنا، ونكسب فقط المال الذي أتينا من أجله، ولا يهمنا بناء الإنسان.
ورغم أن وزارة العمل اشترطت على الشركات الهندسية وغيرها نسبة محددة من المهندسين السعوديين، ورغم أن هذه النسبة تستطيع خلالها معالجة مشكلة بطالة المهندسين، إلا أنه أمام تعنت بعض الشركات ومماطلتها وعدم شعورها بالمسؤولية تجاه المجتمع والوطن، فإنه ما زال هناك عدد كبير من المهندسين السعوديين عاطلين على العمل، وتقول الإحصاءات الرسمية إن عددهم 1500 مهندس تقريبا، ولكن هذا الرقم في الواقع ربما يصل إلى الضعف، لعدم قيام بعض الخريجين بتسجيل أنفسهم باحثين عن العمل، أو في سجلات الهيئة السعودية للمهندسين.
معاناة المهندس السعودي لا تقتصر على تقتير القطاع الخاص في وظائفها عليه، ومنحها للأجانب أمام عينيه، ولا تقتصر فقط على تهميشها له في حالة توظيفها له مكرهة لتحقيق نسبة السعودة، بل يمتد إلى تأخير إقرار الكادر الهندسي الذي طال أمده، والجيل الذي عاصر بداية المطالبة بإقرار كادر هندسي تقاعد معظمهم، وما زال هذا الكادر لم تقره الجهات المسؤولة لتمنح المهندس موقعه الطبيعي على خارطة سوق العمل السعودي.