يجب على النيابة العامة أن تتخذ خطوات سريعة من أجل سنّ قوانين وعقوبات تشمل نصوصا واضحة ضد من يقوم بالتحريض على الكراهية
غادر ملك الكوميديا عبدالحسين عبدالرضا، وكما عاش بالابتسامة، فقد غادر بالابتسامة. وعبدالحسين حالة إنسانية خاصة، حالة تفاؤلية محبة للحياة، تمسّك بهذا التفاؤل وتلك المحبة إلى آخر لحظات حياته.
لربما تتمحور أسطورته ليس تحديدا حول فنه -على الرغم من العدد الوافر الذي قدمه وأسعد به جمهوره- إنما أسطورته تتمحور حول الطريقة التي اختار بها أن يعيش حياته، أن يعيشها بسعادة، أن يعيشها باستمتاع، والأهم أن يعيشها في النور.
ولربما هذا «العيش في النور» هو أكثر ما أزعج نقاده، هذا الرجل الذي يحيا حياته كاملة بصراحة ووضوح.
كان يتحدث حتى عن الذين يكفّرونه على طريقته المضحكة في أحد الملتقيات كان يقول «في مسرحية من المسرحيات كانوا يسبوني هذا كافر وهذا زنديق وهذا كذا وأذكر واحد يقول إذا شفت الفنان عبدالحسين أبصق في وجهه» فضحك الجمهور.
كان يتحدث عن أهمية سن القوانين الرادعة التي تجرّم كل من يمارس أي شكل من أشكال العنصرية ضد الآخر، أو ينشر الكراهية في المجتمع.
وبالفعل وبعد ساعات قلائل من إعلان وفاة أسطورة الفن، سادت حالة من الاستياء والتذمر الشديدين بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بعدما أطلق بعض الدعاة والأكاديميين الحاملين حرف «الدال» تغريدات طائفية لا تجيز الرحمة عليه، إنني أتساءل:
ماذا يريد هؤلاء؟ ولماذا هذه المزايدة السمجة، وهذا الاستعراض الأخلاقي الهابط؟ هل يحلو لهؤلاء أصحاب النهج الغوغائي العودة بنا إلى العصور الوسطى بتخلفها وهمجيتها؟ هل نترك الساحة لوعّاظ متشنجين يعلنونها حربا مذهبية تدمر الأخضر واليابس؟
نعم، في الماضي كنت أعتقد أن هؤلاء ليسوا سوى خفافيش ظلام في «تويتر»، يقبعون في كهوف الكره والحقد والشتم والتكفير، ويتخفون بأسماء مستعارة، إلا أنني أدركت الآن أن المسألة باتت أخطر من ذلك بكثير، إذ إن بعضهم أساتذة جامعات ينشرون تغريداتهم المشينة بأسمائهم الصريحة، وبشكل متكرر، وهم في واقعهم لا ينشطون إلا في إثارة الفتن والقلاقل، واستهداف السلم والاستقرار المجتمعي. وكل ذلك يتطلب الوأد والإيقاف.
لهذا السبب، لا أتردد في مطالبة النيابة العامة بتشريع قانون يجرم كل من يمارس أي شكل من أشكال العنصرية ضد الآخر، أو ينشر الكراهية في المجتمع، وإذا كانت النيابة العامة قد أصدرت الأحد الماضي أمرا باستدعاء مجموعة من المغردين، ممن رُصِدَت عليهم اتهامات جنائية بالإساءة للنظام العام، لكن في نظري هذا الإجراء لا يحد كثيرا من خطر هؤلاء المتلاعبين بالطائفية والمذهبية، فلابد من قوانين وعقوبات تشمل نصوصا واضحة ضد من يقوم بالتحريض على الكراهية، فنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية لا يشير بشكل واضح وصريح إلى عقوبات تجرم التمييز بكل أشكاله.
فمثلا، تنص الفقرة الثالثة من المادة «2» على: «حماية المصلحة العامة، والأخلاق، والآداب العامة»، وكذلك الفقرة الخامسة من المادة «3» لقانون العقوبات التي تنص على: «التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة»، وكذلك الفقرة الأولى من المادة «6» لقانون العقوبات التي تنص على: «إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة».
وكما تلاحظون عبارات «المصلحة العامة» أو «النظام العام» هي عبارات فضفاضة ليست صريحة، ولذلك يجب على النيابة العامة أن تتخذ خطوات سريعة مع مجلس الشورى من أجل تقرير مشروع «نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية»، والذي ما زال تحت الدراسة منذ 18 شهرا.