في بداية الترم الدراسي، دخل علينا الدكتور، وبعد أن عرّف بنفسه وتعرّف علينا، سألنا: ما الفن؟ اختلفت الإجابات وتنوعت، وكان غالبها يختزل تعريف الفن بناء على الصورة النمطية لفنون معينة شهيرة، مثل الرسم أو الموسيقى أو الغناء.
وبعد كل محاولة لتعريف الفن، يسأل الدكتور أسئلة توسع مداركنا أكثر: ماذا عن الطبخ وطريقة تقديمه الجديدة؟ ماذا عن استخدام التقنية لإيصال رسالة ساحرة؟ ماذا عن الألعاب النارية؟ ماذا عن الذوق بشكل عام؟! فما يحرك مشاعرك أنت قد يختلف عما يحرك مشاعري أنا؟
أتى بلوحتين تشكيليتين، كلاهما بالنسبة لي كانا مجرد خربشات، وقال: «واحدة منهما تسمى فنا عظيما، والأخرى لا تمت إلى الفن بصلة!
الأولى لبيكاسو والثانية لابنتي ذات السنوات الثلاث».
لماذا نطلق على تلك فن ونسمي هذه مجرد خربشات طفل؟
فعلا اندهشت ما الذي يحدد الفن من غيره؟
بيكاسو مثلا عندما كان طفلا رسم والدته بلوحة تقدر الآن بملايين الدولارات.
ما الذي يجعل لوحته ثمينة ولوحة أي طفل آخر موهوب أقل قيمة؟ هل هي اللوحة نفسها أم اسم الفنان أم ذوق الناس؟
بعد مضي شهور وانتهاء الترم قلت للدكتور: سألتنا عن تعريف الفن في أول محاضرة، والآن أجد نفسي حائرا في تعريفه! فابتسم وقال هذا هو المغزى من الدرس.
فتذكرت أحد أصدقائي قال لي مرة: «إن الفلسفة العبثية أثرت على كل شيء في حياتنا». وبدأت فعلا أميل إلى هذا القول، فهي ترتكز على فكرة واحدة وهي:
أن مجهودات الإنسان لإدراك معنى الكون دائما ما تنتهي بالفشل الحتمي «وهي لذلك عبثية».