الرياض: نايف البقمي

سجل النقد في حقبة الثمانينات ومنتصف التسعينات الاتجاه الأقوى حضورا في المشهد الثقافي السعودي، ولعب دورا بارزا من خلال المنتج والسجال الحقيقي، عبر الكتب والمنابر والصحافة، كأحد أهم ملامح الحركة الثقافية، مقدما أسماء أصبح لها شأن في الحركة النقدية على مستوى العالم العربي. ولكن السؤال الذي يطرح في هذا الوقت هل لا زال النقد في المملكة يحتل مكانة في الحركة الثقافية السعودية؟ وهل هناك أثر واضح لفعله في المنتج الإبداعي / الثقافي؟


إصدارات بعيدة عن المنتج
مع احترامي لجميع النقاد في المملكة، وتقديري للحركات النقدية ومن ضمنها النقد الثقافي، لا أرى مطلقاً أي تأثير للحركات النقدية في الثمانينات أو التسعينات أو حتى الآن، أقول ذلك بصفتي مبدعاً، أنا الذي يهمني هو الذي يتماس مع النص الإبداعي الذي أكتبه، ربما هنا داخل المملكة النقد غائب، جداً، أما خارج المملكة فهنالك متابعة معقولة إلى حدّ ما من بعض النقاد العرب الذين تواصلوا مع أعمالي الإبداعية.
في السنوات الماضية صدرت بعض الكتب النقدية التي طرحت نظريات قد لاتهم القارئ العادي أو المبدع، وربما وجدت بعض الجدل في الأوساط الأكاديمية، ولكن تلك الإصدارات النقدية، كانت بعيدة عن المنتج الإبداعي الثقافي في المملكة، لنطرح مثالا حول الرواية، ثلاثة مبدعين من المملكة حصلوا على جائزة البوكر، هل قدم لهم النقد الثقافي شيئاً، هل تناول أعمالهم بعض النقاد السعوديين، ربما واحد أو اثنان، وبصورة باهتة، هنالك ملتقيات عن النقد ونقد النقد ونقد نقد النقد، ما علاقتها بالإبداع، أعتقد أنها مجرد اجترار لدراسات وبحوث عن مدارس نقدية، دون أن يكون لها علاقة بالمنجز الإبداعي، وهذا المنجز حالياً يتسم بتراكم غير صحي، جعل الغث يطغي على الثمين، فكثير من الأعمال الإبداعية الجيدة ضاعت بين ركام هائل من الأعمال الرديئة، ولو كان هنالك متابعة نقدية جيدة. لوجدنا بكل تأكيد من يفرز ذلك الركام، ويوضح للمبتدئ عيوبه، ويبرز تميز الجيد.
عبد العزيز الصقعبي ــ مسرحي وروائي


صراع تيارين
مصطلح النقد الثقافي في بلدنا مصطلح كتابي لفظي نخبوي تابع لحركة التغير فقط، ولا أثر له في جوهر (ديالكتيك) الثقافة..ذلك أن ديالكتيك الثقافة جزء عضوي من تغير الزمن والممكنات. ونخبة الكتَبَة الذين يؤدون توصيف الحركة الثقافية العامة ينطلقون من رؤية النخب المنعزلة كثيرا عن جوهر الحياة..وحركة الثمانينيات أوجدت هزة جيدة في وقتها نظرا لوجود تيارين حقيقيين آنذاك هما: حركة التنوير التابعة لحركة الحداثة العالمية المُرْهِصة لما بعدها والتي نعيشها اليوم، وحركة الصحوة وبدايات سيطرة الفكر الذي امتطى الدين تنظيميا وحزبيا في غفلة الرسمي عن أهدافه العالمية التي نرى نتائجها اليوم.
أخيرا: ظني بأن الحركة الثقافية اليوم في وطننا تتجه اتجاها آخر مختلفا عن كل ما مضى، وستكون إيجابية جدا من الناحية الثقافية، لأسباب كثيرة أهمها، أن مصادر الحياة والعلم والوعي والمُدْرَكاتِ صارت فردية مباشرة لا تنتظر تنظيمات سرية ولا هيمنات رقابية، وأن أحداث الزمن أثبتت ألا عُدّةَ سوى احترام الشعب، وبالتالي ستنفجر ثقافة الشعب في هذا البلد الثري انفجارا إيجابيا يساوي في قوته قوة الكبت التي عانى منها قرونا.
إبراهيم طالع ــ شاعر


تجاوز الثقافة المحلية
النقد نور من نار يكشف المغيب، ويعري المستور، ويفتق الرؤى، ويشرح الرأي، تتلقفه يد النقاد ما بين مُتمكن متبحر، ومتزلف متملق، ظهرت شمسه في الثمانينات بشكل جلي مع التحفظ على سلامته من عدمها، وحداثته من تقليديتها؛ إذ كان يعاني صراعات عدّة ما بين صحوة وحداثة، أحدها يهدم أو يحاول إبقاء سيطرته، والآخر يحاول البناء وفق مقاييسه مع أحقيته – إلى حد ما- بهذا الحقل من الآخر، ولكن الصراع بين الطرفين أحال النقد من أسس داعمة للفكر والأدب والفنون إلى نقد ذاتي انحرف عن طريقه، لجدل ومهاترات، إذ يمكن القول: إن النقد السعودي كان يمثل حراكا وإن أُختُلِف حوله إلا أنه كان في مرحلة شرارة لكثير من الأفكار والدراسات النقدية في الوطن العربي- وإن ورد في بعضه على استحياء- ما بين متفق ومتابع وآخر مختلف ومحاجج. وعلى اختلاف الآراء حول تلك الكعكعة والدوافع لاقتسامها ما بين ريادة أو شهرة أو إيمان بنظريات قادرة على إحداث تحول في البنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، كل تلك الدوافع لا يمكن التنكر لها أو تهميشها، فالصراعات تحدث تحولا وثورة فكرية، سواءٌ سلّمنا بصحتها وصدق نواياها أم لا، وما الموقف المناوئ لإجهاضها ما بين تجريم وإقصاء إلا تكتلا مُسلطا الضوء على تلك الظلمة - حسب رؤيتهم- إلا أن النار الحارقة قد تُخرج طيبًا حين ملامسة مسك الفكر وندى العقول، وتبقى الرّيادة فجرا لا يمكن إنكارها، كما أنه شكل مزيجا من المعرفة بين الموروث والمعاصرة لم يكن ليتشكّل لولا الجرأة في الطّرح. اليوم الدراسات النقدية تُشكل مدرسة نقدية غير مكتملة على الرغم من منهجيتها؛ إذ لا تملك الجرأة التي امتاز بها نقد الرواد، والصراعات التي انبثق عنها حِراك تجاوز تأثيره الثقافة المحلية للارتقاء بالنقد وفق أسس داعمة لحراك فاعل...!
أسماء الأحمدي ــ باحثة أكاديمية


مبدعون يتعالون على النقد
اختلاف الوعي الثقافي بين حقبتي ما قبل عام 2000م وما بعدها أثر كثيرا في الحركة النقدية أدبا وثقافة، ففي الحقبة التي كانت تشهد حراكا، كانت الحركة النقدية مزدهرة أكثر مما نشهده اليوم، فقد انكفأ النقاد على ذواتهم، وتعقدت تفاصيل المشهد الثقافي، واختلطت الرؤى النقدية غثها وثمينها، ولم يعد صوت الناقد كالسابق، خاصة وكثير من النقاد تحركهم سيكلوجيات معتلة، فلم يعد النقد منزها، ولم يعد جل النقاد محايدا، فقد عرف الناقد المجامل، والناقد المتحامل، وناقد الشنطة، وبات الجاد المنصف غريبا منبوذا.
من جهة ثانية يندر في الساحة النقاد الأعلام، أصحاب الرؤى والمشاريع، وأصبح الكل يعتاش على الكل، لذلك تجد جيلا من المبدعين يتخبطه مس الإبداع لكنه لا يجد البوصلة النقدية التي توجهه، أضف إلى ذلك ضعف حضور الأندية الأدبية، فلم نعد نشهد الصراعات النقدية المنهجية، (الصراع الإيجابي) المنتج بين أعلام النقد، فكل منهم ملتهٍ بما يكفيه، ما انعكس على الساحة سلبا، وتسبب في ركود النقد، ونشوء مبدعين يتعالون على النقد ويعتبرونه مساسا بحياتهم ومعاشهم واعتداء على ملكياتهم الخاصة إن جاز التعبير، وللإعلام نصيب من ذلك، فقد ضعف الإعلام الذي يركز الضوء على القامات النقدية، ويعينهم على إشهار مشاريعهم الثقافية والنقدية.
أحمد الهلالي ــ شاعر