تراجع المملكة من المركز الـ38 إلى الـ55 في «مؤشر الابتكار العالمي»، بينما عناوين الأخبار المتعلقة تسلط الضوء على الجوانب التي توحي بعكس ذلك، في ظل غياب الرقابة والشورى

إذا كان هناك مؤشر واحد تنموي يجب الاهتمام به، فهو «مؤشر الابتكار العالمي».
يكاد لا يخلو أي من مقالاتي من المطالبة بدعم البحث العلمي والاعتماد على فكر الإنسان، إذ إنه الرأسمال المستدام للتنمية والتطور، وهو الأساس لمواكبة برامج التحول الوطني ورؤية المملكة. التطوير والتوظيف وتنويع مصادر الدخل معتمد على نجاح تطور البحث العلمي والابتكار.
سر نجاح دول العالم المتقدمة وأعمالها، هو الاستثمار في البحوث والتطوير، فدول العالم تستثمر حوالي 1.8 تريليون دولار سنويا في البحوث، منها 500 مليار ريال استثمرتها الولايات المتحدة الأميركية، ولو لم يكن هذا الاستثمار ضروريا للبقاء في مقدمة المنافسة، لما أنفقت أميركا أموالها عليه.
في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2017، تراجعت السعودية إلى المركز الـ55 بعد أن كانت في المركز الـ38 عام 2014، هذا يعني إما أننا لم نتقدم أو ربما تأخرنا، وقد يعني أننا في تقدم، ولكن بطيء، إذ إن 17 دولة استطاعت أن تتخطانا.
التأخر كان تدريجيا، ففي عام 2014 كنا في المركز الـ38، ثم تأخرنا إلى المركز الـ43 عام 2015، وأيضا تأخرنا إلى المركز الـ49 عام 2016، قبل أن نتأخر إلى المركز الـ55 هذا العام.
الأخبار أحيانا تصاغ دون تفاصيل، ففي خبر على موقع «العربية» بتاريخ 18 مارس 2017 بعنوان «السعودية تستحوذ على حصة الأسد من براءات الاختراع عربيا»، وكانت تفاصيل الخبر «وصل الابتكار مرة أخرى إلى أرقام قياسية جديدة عام 2016، سواء في السعودية أو في أنحاء العالم، إذ سجلت السعودية وحدها من الابتكار أكثر مما سجلته 16 دولة عربية مجتمعة».
عندما تقرأ المجالس العليا ومجلس الشورى والرأي العام والمهتمون هذا الخبر، لا شك أنه سيكون مصدر اطمئنان لهم، ولكن خفايا التقرير غير موضحة كي تتاح فرص التفتيش والمساءلة عن الأسباب والتصحيح.
هذا حجب للحقيقة للرأي العام والمجالس المعنية، قد يكون الحجب من الصحافة، وقد يكون من الجهة المعنية بتسجيل الابتكارات ومتابعتها، وهي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية «كاكست»، وهي التي تعمل في مجال دعم السعوديين والسعوديات من المخترعين وطالبي براءات الاختراع، وتسجيل براءات اختراعهم داخل المملكة وخارجها.
قد يكون هناك غياب وعي لأهمية هذا المؤشر عن الغالبية، وعدم دراية بأهميته للتطوير التنموي والاقتصادي، وأيضا قد يراه البعض نوعا من الرفاهية والبريستيج، ولكن الحقيقة عكس ذلك.
ورد خبر قبل 5 سنوات على موقع «وكالة الأنباء السعودية» تحدث عن ارتفاع نسبة السعوديين المتقدمين لطلبات براءات الاختراع من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، خلال فبراير 2012، بمعدل 18% عن الشهر ذاته من العام الماضي 2011، للدور الذي تضطلع به المدينة في مجال زيادة وعي المجتمع بأهمية الملكية الفكرية بشكل عام، وحقوق براءات الاختراع بشكل خاص.
وورد خبر آخر أيضا لوكالة الأنباء السعودية بتاريخ 24 أغسطس 2014 عنوانه «المملكة تتفوق عربيا في مجال البحث العلمي وبراءات الاختراع».
أليست هذه أخبار تطمينية وضعتنا في اطمئنان، لماذا لم توضح التحديات ليُعمل على تصحيحها؟
وفي حديث لرئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية السابق في 10 نوفمبر 2014، ذكر أن المملكة تعد إحدى أبرز 4 دول بالشرق الأوسط في معدلات النشر العلمي في مجال أبحاث البيئة، بحسب تقرير تومسون رويترز عام 2013، كما بلغ معدل النمو السنوي لبراءات الاختراع في مجالات البيئة قرابة 58%. هذا يوحي بالتقدم أيضا.
لن نستطيع التقدم طالما أن هناك غيابا للشفافية وإخفاء الحقائق، المفروض أن يكون هناك دور للجهة المعنية «كاكست» في توضيح النواقص، وأيضا دور للجهات الرقابية مثل مجلس الشورى وغيره. هذا المؤشر وملفه بحاجة إلى انتباه وتصحيح مفاهيم وتركيز.
في وثيقة برنامج التحول الوطني 2020، مبادرات مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية «كاكست» ثمّنت قيمتها بـ8.3 مليارات ريال خلال السنوات الأربع القادمة، أتمنى أن تكون هناك شفافية واضحة لكل المبادرات بعد التحقق من تحقيق الأهداف عند اكتمالها، وأيضا ضرورة مواكبة مجلس الشورى للحدث والمتابعة.