الرياض تنتج مياه صرف صحي بكميات مهولة، كافية لسقي الغطاء النباتي في الرياض، لو تمت معالجتها وزراعة الأشجار، لتحولت الرياض إلى الرياض الخضراء بدلا مما هي الآن.

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يعشقه الفتى
وحنينه أبدا لأول منزل
تذهب بك الغربة في أصقاع المعمورة، غربها وشرقها، لكن ليس هنالك كمنزل الطفولة، وما زلت أشعر بالعشق إلى الرياض. زرت الرياض مؤخرا كأني أقابل حبيبا بعد غيبة.
ما زالت تستقبلني بالحب رغم ما بها من شحوب، كانت رمادية الطلة.
نحن -أهل الرياض- تعودنا عليها وتعودت علينا، ولم نشتك منها ولم تشتك منا، بل تتحملنا. رغم حرارتها في الصيف هي جميلة مشرقة كوجه الشمس، عجاجها هو دخون لنا، حاراتها هي ملاعب طفولتنا، وأميرها الذي كان يرعانا ويرعاها هو الآن ملكنا.
لكن، مؤخرا لاحظنا تبدّلا فيها، فعندما تأتي بعد غياب فإنك تلاحظ تغييرا، كأنك ترى صديقا أو قريبا بعد مدة، فتلاحظ عليه تغييرا ربما لا يشعر به من حوله، وهو ما يسمى العين الجديدة!
مع توسع الرياض الحالي، والتي تبلغ مساحتها حوالي 1800 كلم مربع، أضعاف ما كانت عليه منذ عقود، ما زلت أذكر قبل سنين أن البعض كان «يكشت» عند نادي الشباب، الآن أصبح في وسط الحي، وأحياء شمال الرياض هذه صحراء قاحلة، وزاد عدد السكان الآن هناك ما يقرب من 7 ملايين ساكن، وتوسعت الشوارع والسفلتة، وقلّت المساحات الجرداء، رغم بقاء بعض الأراضي البيضاء!
ومع كل هذا التوسع، إلا أن الرياض لم تتوسع في الغطاء النباتي، بل إنه قل نسبيا مقارنة بحجم الرياض الحالي الهائل، أصبحت الرياض ككتل من التل الأسمنتية الضخمة، حتى الغطاء النباتي الموجود يتم تقليله عمدا، من باب شيء غير مفهوم يسمى صيانة!
درجة الحرارة وصلت مستويات عالية، فالغطاء الأسفلتي ليس كالغطاء الرملي، وزيادة أعداد البشر والسيارات والتلوث أصبح يكتم الرياض.
للعلم، إن شجرة واحدة كبيرة تعمل عمل 10 مكيفات في تلطيف الجو، هذا غير سحب ثاني أكسيد الكربون من الجو وبث الأكسجين في المدينة، إن وجود الغطاء النباتي ربما يخفف درجات الحرارة مقارنة بالأسفلت، كمعدل يصل إلى 18 درجة مئوية كفروق!
الرياض تنتج مياه صرف صحي بكميات مهولة، كافية لسقي الغطاء النباتي في الرياض، لو تمت معالجتها وزراعة الأشجار، لتحولت الرياض إلى الرياض الخضراء بدلا مما هي الآن.
لم لا تتم زراعة عدة ملايين من الأشجار في الرياض، كحملة يشارك فيها الجميع؟، بل لم لا يفرض فرضا على كل ساكن أو مسكن في الرياض أن يزرع عدة أشجار أمام بيته ويصونها، وتعدّ من ضروريات رخصة البناء أو السكن؟ هذا أقل واجب يقدمه أهل الرياض لمدينتهم.
أيضا لم غالب شوارع وكباري الرياض رمادية؟ لم لا يشجع فنانو الجرافيتي أن يحولوا الرياض إلى لوحات زاهية، وتصبح الرياض متحفا طبيعيا مفتوحا في كل شارع.
الرياض تحتاج إلى إعادة نضارة، مع أنها جميلة في نظري مهما حصل لها.
لا أنكر أنه بعد عقود من الغربة، عشقت بعض مدن العالم، خصوصا عزيزتي باريس.
لكن دون شك، ما زلت لا أشعر بأمان البيت إلا في الرياض. أيّ حي فيها هو بمثابة البيت الذي يعطي الراحة النفسية. كل العواصم ليست بجمالك في عيني يا الرياض، لكن نريدك أن تبقي الأجمل.