بين فترة وأخرى تُظهر لنا وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أخبارا عن شبه فساد في مشاريع تنموية بمناطق المملكة عامة وجازان خاصة. ويتم إطلاق التهم التي تستهدف من وجهة نظر البعض من يعتقدون أنهم السبب الرئيسي في هذا التعثر أو سوء التنفيذ في تلك المشاريع. ومما لا شك فيه أن هناك خللا في مشاريع البنى التحتية بمنطقة جازان، وقد يكون الفساد أحد أسبابها، ولكن هناك أسبابا أخرى قد تكون هي العائق في ذلك الخلل كضعف التمويل، ونقص القوى العاملة، وعدم دقة الشروط والمواصفات، وإجراء تعديلات جوهرية إضافية بعد البدء بالمشروع، وعوامل بيئية تشكل تحديا على البنى التحتية كالأمطار والأودية والرطوبة. ورغم ارتباط مصطلح الفساد بكل المشاريع المتعثرة، فإننا نجد أن الإدانة الفعلية في تلك التهم لا تكاد تُذكر. ورغم أن الفساد حقيقة وواقع نعيشه إلا أن المبالغة في جعله شماعة لكل الإخفاقات، جعل عقولنا تستسلم لهذه النظرية وترفض النظر والبحث عن الأسباب الحقيقية لمواطن الخلل ومعالجتها. إن طبيعة عقولنا لها قدرة على اكتشاف السلبيات واختزال الحقيقة في جزء صغير من التبريرات. وعند وجود فراغات وقصور في تكامل أي معلومة فإن الطريقة الأسهل لملء تلك الفراغات هو استخدام المعاني السلبية والمبررات الدارجة. إن الإيمان بالإشاعات تترتب عليه الأخطاء الفكرية والضلالات، وصاحب التفكير السلبي يحصر نفسه في أحكام محددة سلفا كأن الفساد هو السبب في كل خلل يحدث في المجتمع. إن إصدار الأحكام المطلقة ينم عن رؤية ضيقة تريد من الآخرين أن يؤمنوا بها ويصدقوها وألا يناقشوها!
إن القصور والمشاكل التي تهدد المجتمع يجب أن نتعامل معها من خلال التفاعل الواعي والتعاطي العقلاني، وأن نتجنب رمي النقائص والعيوب والتهم جزافا على الآخرين دون تثبت وأدلة. إن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعمة العقل للتفكر والتدبر والتعقل، وعلينا الاهتمام بإيجاد البدائل على مستوى التفسير وإصدار الأحكام واختيار أكثرها عقلانية ومنطقا.
إن الفساد آفة تنخر في كل المجتمعات، وليست قصرا على مجتمع منطقة جازان، ولكن المبالغة في طرح القضايا وربطها جميعا بالفساد ستؤثر في النظرة العامة إلى مجتمعنا، وتعكس انطباعا سيئا عن المنطقة.