«سوف أعمل اليوم على رفع مهنة الهندسة، سأصنع من المهندسين كوادر فاخرة يتباهى بها الجميع»، وأنا أتابع إنجازات الهيئة السعودية للمهندسين، أشعر أن الجملتين التحفيزيتين السابقتين هما ما يرددهما طاقم إدارتها كل صباح.
رغم أن تأسيس الهيئة السعودية للمهندسين كان في عام 2003، إلا أنها في السنوات الأخيرة قفزت قفزات كبيرة في مستوى أدائها، متفوقة على نفسها وعلى الهيئات الأخرى، مثل الهيئة السعودية للصحفيين، والهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين، وهيئة تقويم التعليم، وغيرها من التي لم تقدم ما نأمله منها حتى الآن، ونتائجها ما زالت دون المستوى.
كان من أعظم الأدوار التي قامت بها الهيئة السعودية للمهندسين، هو حماية مهنة الهندسة من المتطفلين عليها والمسترزقين منها بشهادات مزورة على حساب سلامة الأرواح، وأمن البشر، حين قامت الهيئة بضبط مزوري شهادات الهندسة من الوافدين الذين استغلوا احتياج السعودية لكوادر هندسية، بالدخول إليها عبر بوابة تزوير الشهادات والتمتع بميزات المهندس المالية، واستمرارهم في التدليس والكذب والخيانة للأمانة، حتى خلّفوا مشاريع فاشلة تفتقد أدنى معايير السلامة، حتى أتت هيئة المهندسين لتقف سدا منيعا أمامهم، وذلك بربط الهيئة بالجوازات ووزارة الداخلية ومركز المعلومات الوطني، ولا يحق لأي مهندس وافد يعمل في السعودية أن يجدد إقامته إلا بعد أن يتم تسليم شهادته الهندسية للهيئة التي بدورها تقوم بالتواصل مع الجامعات للتأكد من صحة الشهادة، والتأكد بأنها غير مزورة، بل ولا تكتفي بذلك بل تخضعه لاختبار القياس، وبعد أن يجتاز كل تلك الإجراءات يمكنه الحصول على الإقامة، وإذا ثبت تزويره للشهادة يتم تحويله للجهات الأمنية وللقضاء.
كل هذه الإجراءات فقط للمهندسين الوافدين مسبقا، الذين على رأس العمل، أما من ينوي القدوم للعمل في السعودية، فلا يمكنه ذلك حتى يتم التأكد من صحة شهادته في عملية تدقيق تتم قبل دخوله إلى السعودية، ويشترط أن تكون لديه خبرة لا تقل عن 3 سنوات، واجتياز اختبار هندسي والمقابلة الشخصية، ولذلك منذ تطبيق نظام الاعتماد الهندسي تم الكشف عن آلاف الشهادات المزورة، بل إن هناك تقارير تؤكد أن هناك عددا كبيرا من المهندسين الوافدين قاموا بطلب تغيير مهنتهم إلى عامل أو فني خشية الخضوع لإجراءات تدقيق هيئة المهندسين السعوديين، وكنت أتمنى من الجهات المختصة إخضاعهم للتحقيق والعقوبات وتحويل مهنته من مهندس إلى عامل لا يشفع له ما سبق.
لا يمكن لأي مزور أو متطفل على مهنة الهندسة أن يتجاوز سد هيئة الهندسة المنيع، بل قامت الهيئة بتطوير نظام اعتماد الفنيين المساعدين للمهندسين، وسيخضع أي فني لكل إجراءات الهيئة التي فرضتها على المهندسين، وذلك لضمان جودة المشاريع، وأمن وسلامة هذا القطاع المهم.
لم تكتف الهيئة بحماية مهنة الهندسة من المزورين، بل قامت بوضع برامج ومميزات للمهندسين السعوديين، وتحفيزهم وابتعاثهم وتقديم الدورات المجانية لهم، ودعمتهم لحضور المؤتمرات والندوات المحلية والدولية. واستحداث باقة المهندس في إحدى شركات الاتصالات بأسعار مخفضة ومكالمات مجانية بين المهندسين، وخصم 40% لهم ولعوائلهم في أرقى الأندية الرياضية، في برنامج يهدف إلى الحفاظ على لياقة المهندسين وصحتهم. وفرض توظيفهم في القطاع الهندسي الخاص.
كل ما قدمته هيئة المهندسين وذكرته سابقا، هو من صميم عملها، وتحقيقا للأهداف التي أسست من أجلها، وهذا واجب عليها، ولكن لماذا لم نر ما حققته هيئة المهندسين يتحقق في الهيئات الأخرى؟، لماذا لم تنجز بعض الهيئات ولو 50% من الأهداف التي حددت لها منذ تأسيسها؟.
هل يعود نجاح هيئة المهندسين لأن إدارتها من الكوادر الهندسية؟ إذا كان كذلك أتمنى أن يكون مدير هيئة الصحفيين مهندسا، ومدير هيئة التخصصات الصحية مهندسا، وحتى مدير هيئة الأمر بالمعروف والمهني عن المُنْكر مهندسا، لعلنا نرى بعض الإنجازات تظهر للواقع. والمجد للهندسة والمهندسين.